0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

نظرية "الحصبة"

ما زلت اعتبر نفسي من “طويلي العمر” في جيلي،  ومن الذين كتب الله لهم حياة جديدة بعد أن تأهلوا للدور الثاني من تصفيات الموت ..

 

ففي الصف الثاني ابتدائي قطعت يومي الدراسي وعدت إلى البيت بعد “الفرصة” مباشرة منهكاً متعباً، حرارتي  مرتفعة ، وإعياء شديد يحتلّ مفاصلي، هذا بالإضافة إلى نشفان في الحلق، وبداية سعال ناشف،  وثمة حكّة في منطقة العمود الفقري وما جاوره صعوداً ونزولاً، وكذلك السرّة وضواحيها..وبعض البقع البيضاء على اللسان والتقرحات الحارقة بسقف الحلق..

 

عندما رأتني أمي أجر رجلّي جرّاً من بوابة الدار و حقيبتي المدرسية المرسوم عليها “ديك وصيصانه” تلامس التراب والحصى من “قلة المروّة”..رمت “المقشّة” من يدها هرعت الى مسرعة..ووضعت يدها مباشرة على جبهتي ، ثم أدخلت كفها في “بلوزتي” لتصافح صدري الساخن وهو يتنفّس بصعوبة وسرعة…وببديهية الأمهات  كشفت عن ظهري وبطني وتفحّصت خلف أذني وشعري ..فرأت بعض البقع  الحمراء في معظم الأماكن الملساء والرقيقة ..هزّت رأسها وقالت: ” شكّلك حمّرت يا قاروط البين”..!!.لكن “قاروط البين” لم ينطق بأية كلمة بسبب المرض…ارتميت على فرشة في البيت الأوسط، كنت الصق خدي أحيانا ببرودة الحائط هرباً من هدير الجسم القائظ ثم أقلب الخدّ الثاني لينال نصيبه من إطفاء الغليان….وفور وصول أخي الأكبر من المدرسة..أرسلته الوالدة الى أقرب دكان ليشتري لي هريسة على وجه التحديد…فــ”أبو حمار” أو الحصبة بعرف العجايز يحتاج  إلى “حلو” لتقضي عليها بأسرع وقت..الأخ اهتم جداً بمشوار الهريسة لما فيه فائدة ستعمّ على الجميع ، غاب نصف ساعة وعاد بكيلو من تلك “الحمراء المفستقة”..فتحت أمي كيس الورق وقدمته أمامي وقالت : “كل قدّ ما تقدر”..أكلت من “الأكعاب” الهريسية المهندسة بعناية ما استطعت ، وعندما شعرت بقشعريرة “القطر” الزائد تسري تحت جلدي …أحضرت لي الغالية بلوزة صوف ثقيلة وكفكفتها حتى القبّة وأدخلتها برأسي عنوة ، ثم غمرتني بلحاف ثقيل و”حرامين” سعوديين..وتمتمت: “بس تنام..وتعرق.. بتطيب”..

 

أول أمس من باب المصادفة، اكتشفت ان المصاب بالحصبة أو “أبو حمار” تحديداً..يجب أن يأخذ مخفضات حرارة وضمادات باردة وان يرتدي ملابس خفيفة وان يبتعد عن المأكولات التي فيها سعرات حرارية لأن كل ذلك قد يؤدي الى الوفاة الفورية …وعليه أول أمس اكتشفت ان الله كتب لي عمراً جديداً من تحت أنقاض الهريسة والصوف واللحاف المربّع والحرامات الخشنة…

 

**

 

الدولة تتعامل مع المشاكل التي تحدث في المناطق الساخنة..كما تتعامل عجائزنا مع الحصبة..بدلاً من استخدام “مخفّضات” الأحداث وتبريد المناطق الملتهبة بضمادات العقلانية والمعالجة الجذرية لــ”فيروس” التهميش المسبب، تأتي لتداوي الحرارة والألم بمزيد من الحرارة والألم…على أمل أن الأمور:” تعرق..وتنام..ثم تطيب” لحالها…

 

يا جماعة : عمر “الطمر” ما كان علاج!!.