من الاحتلال .. إلى الاستحلال!
حين تتجرأ إسرائيل على تخيير السلطة الفلسطينية بين السلام والمصالحة مع حماس فتلك حرب سياسية وايديولوجية، قد تكون من بعض النواحي أشد وقعاً على النفس من هزيمة حزيران 1967، ذلك لسببين على الاقل، أولهما انها تفرض نفسها وصية على شعب قاصر، وثانيهما استباحة مزدوجة للتاريخ والجغرافيا معاً، فالثمن المطلوب من الفلسطيني سواء كان في السلطة أو في أي سياق سياسي هو حسب تسعيرة تل أبيب أن يقدم توأمه قرباناً تحت قدميها.
فالمشهد الآن لا مجال للتلاعب بزواياه لانه ساطع وفاضح ويدشن حقبة من التاريخ العربي غير مسبوقة، يتولى فيها الأخ قتل أخيه أو بيع دمه في المزاد كي يظفر بشهادة حسن سير وسلوك من عدو يقضم لحمه وأرضه وذاكرته.
اجابة السلطة الفلسطينية حتى الآن على هذا الانتهاك لنخاعها ولجذور القضية كلها هو دراسة الخيارات، ومن ثم المفاضلة بينها، وبالطبع تلك خطوة أولية لا بد منها في أي رد فعل وطني. لكن أين هي تلك الخيارات، فالمقاومة في بعدها الميداني مستبعدة منذ زمن، بل اعتبرت ضرباً من الانتحار الوطني بسبب التفاوت الهائل في ميزان القوى بين محتل نووي وضحية عزلاء!
وكلما صرح أي سياسي عربي أو فلسطيني بأن نتنياهو لا يريد السلام، فهو ليس ارخميدس الذي يبشرنا بأنه وجدها، لأن رفض هذا الرجل للسلام ولد معه على ما يبدو لهذا كانت معاداته للسلام ترشح من كل سطر في مذكراته التي حملت عنوان مكان تحت الشمس!
ولم نكن بحاجة لتبديد الاعوام والوقت ومضاعفة الاستيطان وعدد الاسرى لنكشف بأن نتنياهو هو بحد ذاته أطروحة صهيونية مناقضة لاي سلام، لكن الضعف أحياناً يملي شروطه على البشر فيلوذون باللغة ومترادفاتها ومجازاتها لقول جملة غير مفيدة، كان من الممكن أن تكون واضحة بالمبتدأ الذي حددته الصهيونية كمشروع وبالخبر الذي تولته رموزها، خصوصاً من يحلمون بريادة ثانية للمشروع من طراز نتنياهو.
إن اسوأ ما في الضعف هو الرغبة في خداع الذات بحيث لا ترى غير ما تريد ولا تسمع غير صدى صوتها، فالمعادلة واضحة منذ أول سطر في هذا الصراع، وثمة طرف احترف الانكار وحوله الى مهنة تماماً كما حول أنين الضحية الى مهنة، لكن ارخميدس العربي الذي يقول لنا في مناسبة بأنه وجدها يدرك في العمق انها موجودة حتى قبل ولادته، لكن ما يحدث الآن هو محاولات لتهويد المنطق والعقل قبل تهويد الدولة