القتل الرحيم، أو الدعم البريطانـي للإخـــوان!
تنتابني كثير من مشاعر السخرية من قرار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون تشكيل لجنة للتحقيق حول جماعة الإخوان المسلمين، واشعر أن تلك حركة مسرحية بائسة واسترضائية، اكثر منها أي شيء آخر، وتكشف عن نوع من الاستغباء لعقول البشر، سواء كانوا بريطانيين، أو غيرهم، لأن مثل هذا القرار فيه استخفاف غير مسبوق بتاريخ بريطاني عريق تميز على الدوام بكون بريطانيا ملاذا للباحثين عن الحرية، الفارين من ظلم حكامهم!
هذا قرار ليس بريطانيا محضا، بل له دوافع سياسية واقتصادية، ولا أقول أمنية أبدا، لسبب بسيط، أن أجهزة الأمن البريطانية التي تستضيف أعدادا هائلة من طالبي اللجوء الإنساني والسياسي، ليست غافلة عما يجري على أراضيها، من قبل هؤلاء، لذا فهي ليست بحاجة «فجأة» لتشكيل لجنة تحقق فيما يفعل هؤلاء اللاجئون السياسيون سواء كانوا إخوانا أو شياطين، لذا يبدو تشكيل اللجنة مثيرا للسخرية والضحك حتى الانقلاب على الظهر، وهنا، مصداقا لما نظن ونعتقد، نستذكر ما ذكره مصدر طلب عدم الكشف عن هويته، من أن دولا عربية هددت بوقف عطاءات وصفقات أسلحة محتملة ومراجعة العلاقات التجارية مع بريطانيا، ما دفع كاميرون لاتخاذ هذا القرار، «تجنبا للخسائر التي يمكن أن تتسبب بها عقوبات هذه الدول» وكان يمكن أن نتفهم قرار الحكومة البريطاني بهذا الشأن، لو صرحت بهذا علانية، بدلا من محاولة استغباء البشر، ولا نغفل هنا عن نفوذ وضغط اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا، بهذا الشأن، وهنا يعترف سايمون تسيدال المعلق في صحيفة «الغارديان»، أن قرار حكومة بلاده يأتي أيضا ردا على التطورات المتتابعة في مصر، واستجابة لضغوط حلفاء مقربين من بريطانيا!
من السخرية المريرة أيضا، ما أورده الصحفي الإنجليزي مارك كيرتس في كتابه الذي يحمل عنوان (العلاقات السرية: التواطؤ البريطاني مع الإسلام الراديكالي) والذي حاول أن يثبت –عبر الوثائق البريطانية المفرج عنها!- علاقة بريطانيا بالإخوان المسلمين، و»دعم وتمويل» بريطانيا للجماعة، فأثبت العكس، فهو يقول في حوار أجرته معه صحيفة «المصري اليوم» المصرية وبالحرف الواحد، ردا على أحد الأسئلة: أول اتصال معروف بين الإخوان ومسؤولين بريطانيين كان عام 1941 فى ذلك الوقت كانت المخابرات البريطانية تنظر إلى خطط أي منظمة ضد البريطانيين باعتبارها الخطر الأكبر على الأمن العام فى مصر، ووفقا لحسابات البعض من المسؤولين الإنجليز ذلك الوقت فقد عرضوا مساعدة الإخوان لشراء دعمها، وهناك نظريات(!) كثيرة بشأن قبول أو رفض حسن البنا للحصول على الدعم البريطاني، ولكن بالنظر لحالة الهدوء النسبي للإخوان فى هذه الفترة فمن الممكن أن نقول إنهم قبلوا المعونة البريطانية (أي دور للوثائق في مثل هذا الاستنتاج؟! حسنا اصبروا قليلا)، ثم يقول جازما، وبلا أي دليل: قبل عام 1942 كانت بريطانيا بالتأكيد(!) قد بدأت في تمويل جماعة الإخوان ويشرح هذا التمويل، على نحو مضحك، ومثير: ففي 18 ايار/ مايو عقد مسؤولون فى السفارة اجتماعا مع رئيس الوزراء المصري أمين عثمان باشا، كان أحد الموضوعات التى تمت مناقشتها فيه هو العلاقات مع الإخوان، وتمت الموافقة على عدد من النقاط الخاصة بهذا التعاون، واحدة منها أن الإعانات المقدمة من حزب الوفد للإخوان المسلمين سيتم دفعها سرا من جانب الحكومة المصرية، وأنها سوف تحتاج فى هذا الشأن إلى مساعدة مادية من السفارة البريطانية.
كما أن الحكومة المصرية ستقوم بزرع عملاء موثوق بهم داخل جماعة الإخوان لتراقب عن قرب أنشطتهم(انظروا إلى طبيعة «الدعم» البريطاني للجماعة!)، وأن الحكومة سوف تسمح للسفارة الإنجليزية بالحصول على معلومات من هؤلاء العملاء، ومن ناحية الجانب البريطاني سيتم إطلاع الجانب المصري على المعلومات التي يتم الحصول عليها من مصادر بريطانية، كذلك تم الاتفاق على محاولة خلق انقسام فى الجماعة من خلال استغلال أي اختلافات تقع بين حسن البنا وأحمد السكري أحد مؤسسي الجماعة الأوائل، كذلك تم الاتفاق خلال هذا الاجتماع على حصول الجانب البريطاني على قائمة بأسماء أعضاء الإخوان الذين يمكن اعتبارهم من العناصر الخطرة( منتهى الدعم!) مع التأكيد على عدم القيام بأي تحرك عنيف ضد المنظمة، ولكن العمل بأسلوب القتل الرحيم ، كذلك الاتفاق على مساعدة حسن البنا على إصدار صحيفة وقيامه بنشر مقالات عن مبادئ دعم الديمقراطية لتظهر وسيلة جيدة تساعد على تفكيك الإخوان!
هذا هو الدعم البريطاني، بالوثائق(!) لجماعة الإخوان المسلمين، حسب أحدث كتاب صدر في بريطانيا بهذا الشأن، وما يورده لا يقل سخرية عن لجنة التحقيق في مدى «إرهابية» جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا، و»الخشية» هنا، إن تمت التحقيقات بصورة محايدة وعلمية، أن يثبت لبريطانيا وحلفائها العرب، وبما لا يدع مجالا للشك، براءة الإخوان من أي من تلك التهم الجزافية التي تلصق بهم!.