محميّة آدمية!!
لم يعد بعيداً ذلك اليوم الذي يُطالب فيه من تبقوا على قيد آدميتهم بمحميات للحفاظ على الانسان المعرض للانقراض، رغم ان مفهوم الانقراض ليس حكراً على طيور وحيوانات من سلالات أصبحت نادرة.
فالانقراض قد يكون معنوياً وثقافيا وأخلاقياً، وقد سبقنا أسلافنا الى اطلاق صفة آدمي على نمط من البشر استحق هذا الوصف، وكأن هناك كائنات توقفت عن النمو عند الحيوان الثديي، لأنها مسيرة بالغرائز، وبما يسمى الزواحفية في الدماغ.
وحين كنا نسمع عن شخص ما بأنه آدمي أو عن عائلة بأنهم أوادم لم يكن يخطر ببالنا أن المقصود بذلك اقامة فاصل بين من يستحقون هذا الوصف ومن لا يستحقونه، فمن يعيشون ليأكلوا ليسوا أوادم على الاطلاق، لأن المشترك الغريزي بينهم وبين سائر الحيوان لا يترك مجالاً لأي استثناء.
محمية الأوادم بلغة أجدادنا قد تكون آخر المخيمات، وهي الأولى والأجدر بالرعاية، لان انقراضها يعني ان كل المحميات الاخرى ستصبح في خبر كان!
ولا أظن أن منظر نهاية التاريخ والانسان الأخير فوكوياما كان يعني شيئا كهذا، لأن ثقافته والمحيط الذي يسبح فيه لا يتيح له مثل هذه الرؤى، التي لا تنسجم مع البرغماتية وتحويل الانسان الى رقم أصم أو مجرد استمارة.
واذا كان هناك مفاهيم كلاسيكية أصبحت بحاجة الى اعادة تعريف كالفقر والحاجة والحرب والسلام، فان مفهوم الانسان أيضاً بحاجة الى اعادة نظر، فهو ليس الضاحك أو الناطق أو الباكي فقط، بل هو الكائن الخجول الذي يعرف الندم ويعترف بالخطأ، ويضع نفسه في مواقع الآخرين أو في احذيتهم كما يقول مثل انجليزي ليموت قبل أن يموت، لأنه يمتاز بخيال يتيح له ذلك بعكس الكائنات التي تموت فقط لحظة أن تموت!
محمية الأوادم قد تضمن استمرار السلالة المعرضة للانقراض، وقد يبدو هذا اقرب الى ما يسميه الفيلسوف نيتشه السوبرمان، لكن ما نعنيه يعكس هذه المزاعم الشوفينية، فالمطلوب الآن لضمان استمرار منظومة القيم وجعل هذا الكوكب المحتل صالحا للاقامة البشرية هو ثورة تربوية شاملة وجذرية، تنقذ الناس من المصائد التي وقعوا فيها حين أصبحت الغايات تبرر الوسائل، والشاطر هو من يعرف من أين تؤكل الأكتاف.
إنّ مثلا واحداً سمعته ذات يوم هو اذا جاء الطوفان ضع ابنك تحتك كي تطفو، يكفي لان ندعو وبقوة الى انشاء محميات آدمية، ذلك لان الحيوان لا يفعل ذلك، بل يفتدي أبناءه بنفسه ويكفي ان نشاهد حماراً واقفاً في الشمس وقد تهرّأ جلده من قسوة حرارتها ليحمي ابنه ويصنع له بجسده ظلاً كي نعيد النظر بما انتهى إليه هذا التاريخ الغاشم.