«ثأر» إسـرائيل قديم متجدد مع مخيم جنين
لإسرائيل “ثأر” مُبيّت ضد مخيم جنين … هذا المخيم صمد في وجه آلة العدوان الإسرائيلية كما لم تفعل مدن وحواضر تعرضت للغزو والعدوان … هذا المخيم كان مصيدة لجنود وضباط وحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي … هذا المخيم تلقى على أكتاف أبنائه وبناته، عبء الصمود الفلسطيني في وجه عملية السور الواقي التي انتهت إلى إعادة احتلال الضفة الغربية وتدمير المقاطعة واغتيال ياسر عرفات.
أمس، كانت وحدات المستعربين، مدعومة بقوة إسرائيلية ضاربة، على موعد ثأري جديد مع المخيم … حصيلة العدوان الإسرائيلي ثلاثة شهداء صعدوا إلى جوار ربهم وعدد كبير من الجرحى والمصابين من أبناء المخيم وبناته، في عملية بربرية تتزامن مع موجات متعاقبة من العدوان والاستيطان التي تشمل الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، ووسط موجة من التحريض الهستيري الذي تشنه السلطات الأمنية والعسكرية والسياسية ضد الشعب الفلسطيني وسلطته وفصائله وحقوقه ومستقبله.
لكن المخيم / الأسطورة لا ينام على ضيم كما علمنا … فهو لقن الاحتلال الإسرائيلي في أبريل من العام 2002 درساً قاسياً لن ينساه أبداً … إسرائيل اعترفت بمصرع 24 ضابطا وجنديا من قواتها، نصفهم سقط في يوم واحد، فيما المصادر الفلسطينية تحدثت عن سقوط أكثر من خمسين قتيلاً إسرائيلياً في المخيم، وهو رقم يعادل الرقم الأممي عن خسائر المخيم مقاتليه وسكانه المدنيين … والمؤكد أن مخيم جنين، سيرد على العملية الإسرائيلية، لا ندري متى ولا كيف، ولكنه سيرد حتماً، وربما بصورة موجعة للاحتلال.
والحقيقة أن المرء يتساءل عن مغزى استمرار الرهان والتعويل على المفاوضات و”ضبط النفس” … وإلى متى يمكن الركون إلى الرهانات الخائبة على “فرصة السلام” … إسرائيل تتعنت سياسياً ودينياً وإيديولوجياً … مطالبها من الشعب الفلسطيني وقيادته لا تنتهي …. إسرائيل تواصل تدشين العمليات الاستيطانية المتلاحقة في القدس والضفة …. إسرائيل لا تتوقف عن الانتهاك اليومي لحرمة المسجد الأقصى حتى أن خبر اقتحامه وتدنيسه من قبل الجنود والمستوطنين وكبار المسؤولين في الكنيست، بات خبراً يومياً معتادا مثل نشرة الأحوال الجوية … إسرائيل لم توقف عدوانها المتكرر والوقح على قطاع غزة المحاصر والمجوّع … ما الذي تبقى من السلام، وعن أية جهود ومبادرات يتحدثون؟!
لا نقترح اللجوء إلى السلاح، مع أنه حق مشروع للشعب الفلسطيني، كفلته الشرائع السماوية والوضعية وشرعة الأمم المتحدة … ولا نقترح انسحاباً غير منظم من العمل السياسي والدبلوماسي، فهذا ميدان من ميادين كفاح الشعب الفلسطيني العادل والمشروع … بيد أننا نقترح، ومن باب أضعف الإيمان، اللجوء فوراً ومن دون إبطاء، إلى الخيارات والبدائل الأخرى المتاحة أمام الشعب الفلسطيني للرد على الغطرسة الإسرائيلية ولوقف الاعتداءات على شعبنا الرازح تحت الاحتلال.
نقترح الذهاب من دون إبطاء لطلب العضوية من مختلف المنظمات الدولية، بما فيها محكمة لاهاي، لمطاردة إسرائيل على جرائمها، ولضمان عدم إفلاتها من العقاب تحت أي ظرف أو مبرر أو ذريعة … نقترح تغيير قواعد الاشتباك مع سلطات الاحتلال، فلا تنسيق أمنياً، ولا تعاون مع الذين تتلطخ أيديهم يومياً بدماء أبناء شعبنا وبناته … نقترح هجوماً منسقاً ومتسقاً لاستعادة الحوار واستئناف المصالحة وإعادة بناء الوحدة الوطنية، وحدة الشعب والسلطة والمؤسسات والاستراتيجية وأدوات الكفاح، وحدة المصلحة والمصير.
هي إسرائيل من يعلن يومياً الحرب على شعب فلسطيني، وما عادت “جرع المورفين” التي يضخها الوزير جون كيري في عروق المسؤولين الفلسطينيين، قادرة على تخدير الشعب الفلسطيني وتبديد طاقة الغضب التي تعتمل في صدور أبنائه وبناته … هي دماء الفلسطينيين وأرضهم وحقوقهم، التي تتعرض للنزف اليومي من دون توقف، فيما الوزير كيري يأتي ويروح من دون أية نتيجة … هي إسرائيل التي يجب أن تظهر عارية ومعزولة أمام الرأي العام والمجتمع الدوليين، وإن لم يبدأ الفلسطينيون المشوار على هذا الطريق، فلن يدشنه أحدٌ غيرهم، ولن يلحقهم عليه أحد.
جريمة مخيم جنين لا ينبغي أن تمر مرور الكرام، وعلى إسرائيل أن تعرف أنه لن يكون بمقدورها قتل الشعب الفلسطيني ومصادرة حقوقه وتهويد مدنه ومقدساته، وأن تحتفظ بالهدوء والأمن والاستقرار والسلام والمفاوضات في الوقت ذاته … على إسرائيل أن تدرك بأن جرائم كهذه، لن تمر من دون عقاب أو عواقب، وليس سوى الفلسطينيين أنفسهم من بمقدورهم أن يقنع إسرائيل بذلك، وإن غداً لناظره قريب.