مهنة بين التقديس والتدنيس
لم تكن روايات وأفلام عربية من طراز أحزان صاحبة الجلالة وزينب والعرش هي آخر المطاف في افتضاح ما يسمى الفساد الصحفي، ولعبة تبادل الادوار وتأجير الاقلام.
فقد صدر مؤخراً كتاب لصحفي مصري نتمنى ان تكون بعض المعلومات الواردة فيه تصفية حسابات سياسية وشخصية، لأنها لو كانت صحيحة فان الفساد يكون قد بلغ الملع.. وعلى الصحافة السلام.
وما يقال عن ضحايا الصحافة وشهدائها في هذا العالم المتوتر والمشحون بالكراهية والثأرية يبقى في نطاق مهنة اطلق عليها اسم مهنة المتاعب، وهي في الواقع مهنة التلاعب بالرأي العام.. والقتل قد يكون رمزيا ومعنوياً كما هو الاعدام ايضا، بحيث يسيل فيه كثير من الحبر السام وليس الدم، ويزدهر الاعدام الرمزي في مراحل تنعطب فيها البوصلة الاخلاقية، وتصبح منظومة القيم كلها في مهب الاستباحة والانتهاك، وحاصل جميع ما ينشر ويتم تداوله من الاتهامات المتبادلة ينتهي بنا الى نتيجة كارثية هي ان الجميع قتلة، وانتهازيون.. فالمعجم الرائج الآن يعج بمفردات مترادفة تلتقي عند دلالة واحدة هي ان كل شيء اصبح مباحا ومتاحا في غياب الروادع وهذه سمة مراحل انحطاط تسود فيها السوفسطائية ويصبح الفرد مقياس الخير والشر، حيث ما من مرجعيات او قواسم مشتركة غير مرجعية الترصد والقنص، فالقناص ليست البندقية اداته الوحيدة، لأن القلم يتولى هذه المهمة احيانا.. والصحافة العربية التي ولدت على سطح سفينة بونابرت في عرض البحر المتوسط وصفها صحفي عريق بأنها تحولت الى اكاديمية لفقه التزلف والارتهان وبالتالي التخلي عن دور الشاهد لصالح دور آخر أقل ما يمكن ان يقال عنه انه شهادة زور مدفوعة الأجر.
وهناك حكايات نتداولها على سبيل الدعابة حول مواقف صحفية تصلح لان تكون عينات نموذجية توضع تحت مجهر علم النفس، منها مثلا ما تقاضاه صحفيون من المشاهير من ثمن مقابل الصمت والتواطؤ، لكن للكلام ثمنا آخر وتسعيرة لا يعرفها الا الضالعون في هذا العلم.
أتمنى بشكل شخصي ان تكون المعلومات التي قرأتها في كتاب أحد الزملاء العرب مجرد افتراءات فرضها سجال انفعالي لا يحتكم لأي منطق لانها لو صح واحد بالمئة منها تكون هذه المهنة قد استحقت تغيير اسمها، فالاتهامات المتبادلة تتجاوز المال السياسي وشهادات الزور الى ما هو اخلاقي وانساني وبذلك يكون عدد ضحايا الصحافة بأقلام زملائهم أضعاف عددهم من القتلى في ساحات الصراع والحروب!.