0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

التكيف الدائم

إلى الأمام قليلا سيكون بين يدينا وعلى مستوى عالمي من أدبيات عن “الكورونا” ما يفوق أي موضوع آخر، ذلك أن هذا الوباء الصحي شمل بتأثيره كل العالم وكل شيء وسيكون له تداعيات مستقبلية على السياسة والاقتصاد وعلاقات الدول، والإدارة والمؤسسات وأنماط الحياة والمدن والتخطيط الحضري والثقافة المجتمعية.
لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية أن قامت الدول طوعا بإغلاق حدودها أمام العالم الخارجي ووقف النقل وحركة الطيران وإغلاق المؤسسات الكبرى وحظر التجمعات بل وحتى حظر التجول الشامل أو الجزئي. لم يحدث أن رأينا في أي يوم (إلا في أفلام الخيال العلمي) المدن فارغة بهذه الصورة، لم يسبق أن رأينا شوارع روما ومحيط الكوليسيوم يخلو قط من السياح في أي وقت كما يحدث الآن.
الأوبئة كانت موجودة دائما فما الذي اختلف؟ اختلف أن العولمة عولمت الأوبئة، والدول والمجتمعات الحديثة تحوز على تقدم علمي وتقني لا تقبل معه ولا تتخيل عودة الأوبئة وموت الناس بالجملة منها. المضادات الحيوية والمطاعيم كانت قد قضت على الأوبئة الجرثومية. أما الفيروسات وهي ليست خلايا حية فقد تم مواجهتها باللقاحات التي تحفز الجسم على خلق المناعة، أو بإجراءات وقاية محددة كما هو الحال مع الأيدز. لكن فيروسات الجهاز التنفسي التي تنتقل بالهواء وبالملامسة خلقت مشكلة أصعب في الوقاية ناهيك عن مشكلة المناعة إزاء التحويرات المستمرة في بنية الفيروسات، وآخر مثال هو ما حصل مع فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) الذي أظهر سهولة وسرعة بالانتشار، وتكفلت بالباقي العولمة وحركة التنقل غير المسبوقة في التاريخ للسياحة والأعمال إذ يتنقل الملايين بين القارات ويمكن لشخص واحد خلال ساعات وهو يمر على مطارات أن ينقل الوباء عبر دول وقارات. وهذا الأمر يمكن أن يتكرر مع كل فيروس جديد، والله وحده يعلم كيف سيكون وربما تظهر أنواع أكثر شراسة وخطورة، فهل سيكرر العالم نفس الاستنفار والحصار الطوعي الذي دخلت فيه الدول والمدن والمجتمعات؟
لا يستطيع العالم إلا أن يقف ويفكر في الحقائق والمسلمات التي تقوم عليها الحياة المعاصرة والدول والمدن والمجتمعات. هل يستمر معنى العولمة كما نعرفها اليوم، ومعنى النمو والتوسع الاستهلاكي والمنافسة والربح، والنظريات في الاقتصاد وفي الأنظمة السياسية والبيئية ومجالات أخرى؟ إنها لن تبقى بمعزل عن المراجعة والتأمل وقبل ذلك تقييم الاستجابة كما مورست على الأرض ودروسها وفي المقدمة ما هو طارئ وما هو دائم وعلى سبيل المثال فقط؛ هل نستمر في نظام التجمعات الكبرى للبنية التحتية والخدمات والأعمال والإسكانات والتسوق (المولات)؟
سنتابع هذا الأمر لكن سأختم المقال بما يخصنا في الأردن من مراجعة ودروس. لقد تميزنا باستجابة سريعة وبإجراءات الحد الأقصى التي وصلت لحظر التجول وحالة الطوارئ وهي ستمتد لأسابيع كما فهمنا، لكن هل يكون هذا كتالوج الاستجابة كل مرة قادمة؟ طبعا هذا ليس بالأمر الممكن ويجب التفكير في ما يجعل الاستجابة أكثر عملية وواقعية ولا تقتضي شلّ الحياة العامّة. ولتقريب الفكرة لنأخذ التحول نحو المعاملات الإلكترونية مثلا، إنه يقلل تأثرنا بإجراءات مثل إغلاق البنوك والمؤسسات. وكنا قد قمنا بإقرار قانون لمنح تراخيص مهن للعمل المنزلي وهو أمر يمكن التوسع به. وعلى العموم فإن الاتجاه يجب أن ينقلب من التمركز إلى اللاتمركز في كل شيء بما في ذلك مراكز التسوق الكبرى. لا نستطيع إلغاء (المولات) لكن يمكن أن نشجع كل (مول) أن يفرط نفسه إلى خمسين مخزنا موزعة على جميع الأحياء. جميل النمري