صحة الرؤساء!
حينما يتقدم شخص ما لشغل وظيفة، يطلب منه القائمون على التوظيف تقريرا طبيا، يحدد وضعه الصحي ومدى جاهزيته الصحية لشغل هذه الوظيفة، وهذا أمر اعتيادي، ولا يثير أي تساؤل أو استنكار، ومن يرفض تقديم مثل هذا التقرير يستثنى من التعيين، وفي الدول التي تحترم نفسها، ولديها قدر معقول من النظام والقانون، يطلب ممن يترشح لمنصب الرئاسة إشهار وضعه الصحي قبل ان يرشح نفسه لشغل منصب الرئيس، لأن من حق الشعب على من يتقدم لاستلام منصب كهذا، أن يعرف ما إذا كان زعيمه المحتمل لائقا صحيا لحمل أعباء المسؤولية أم لا، ليس هذا فحسب، بل يتم فحص الرئيس بين فترة وأخرى قد يحددها القانون، للاطمئنان على أن الرئيس لم يزل يتمتع بالأهلية اللازمة لاستمرار شغله لهذا المنصب، وقد قرأت منذ فترة إشهارا لوضع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، بعد أن أجرى عملية استئصال لورم صغير في أمعائه الغليظة، وهذا أمر مألوف في دول تتمتع بقدر ما من الشفافية!
ولشدة أهمية «صحة الرئيس» يقال أن هناك قسما في جهاز الموساد الإسرائيلي يتخصص في إعداد تقارير عن صحة الرؤساء، بل إن هذا الجهاز «يتاجر» بالتقارير الطبية الموجودة لديه عن الحالة الصحية لعدد من الرؤساء والزعماء لأن هذه التجارة تلقى رواجاً شديداً في بعض الأوساط. ويقال إن الموساد يرصد ميزانية كبيرة لإعداد تلك التقارير، ويستخدم في ذلك أساليب عدة للوصول إليها، منها اختراق السياج الأمني المفروض حول المستشفيات التي تعالج الرؤساء ليحصل على المعلومات، كما أنه يحصل عليها من أطباء الموساد أنفسهم المزروعين في المستشفيات، بمجرد إقامة رئيس دولة بأحد هذه المستشفيات. ومن الطرق التي يقال أن الموساد يتبعها حالياً لإعداد هذه التقارير، وضع أنابيب داخل الحمامات التي يستخدمها الرؤساء بطريقة معينة تمكنه من الحصول على كمية من البول لتحليلها، بالإضافة إلى تحليله لبصمات الشفاه على الأكواب التي يشربون منها خلال وجودهم في المؤتمرات أو الزيارات خارج بلدانهم، كما يركز الموساد أيضاً على الحصول على عينات دم وقد يصل الأمر -على حد زعم البعض- إلى جرح أيادي الرؤساء المستهدفين بطرق خبيثة كالاحتكاك الشديد أثناء وجودهم في اجتماعات ومؤتمرات مزدحمة!
ويبدو أن هذه القضية تشغل بال الكثيرين حتى على المستوى الدولي، حيث طرحت الجمعية الدولية للطب النفسي عام 1985 على الأمم المتحدة استعدادها للكشف النفسي على رؤساء الدول كل ثلاث سنوات لتحديد درجة السلامة النفسية للرؤساء لما يمثله ذلك من أهمية ليس لشعوبهم فحسب ولكن للمجتمع الدولي برمته، ولكن هذا الأمر بقي خاضعا للتشريعات المحلية، ومدى اهتمام كل دولة بصحة من يرأسها!
ويجرنا هذا الحديث للأنباء التي تتحدث عن ترشيح الرئيس الجزائري لنفسه لولاية رابعة، رغم التقارير الصحفية التي تتحدث عن تدهور حالته الصحية، حيث أصيب بوتفليقة بانتكاسة مرضية كبيرة في نيسان/ ابريل الماضي بسبب جلطة دماغية أبعدته عن الجزائر ثلاثة أشهر حيث نقل مباشرة إلى مستشفى «فال دو قراس» العسكري في فرنسا. وعاد بعدها إلى الجزائر على كرسي متحرك ليخضع لفترة نقاهة لم يعلن بعد خروجه منها، رغم ظهوره في التلفزيون الرسمي أثناء انعقاد مجلس الوزراء أو عند توقيع ميزانية الدولة أو حين استقبال بعض زائريه. وقد دفع هذا الوضع الصحي ببعض أحزاب المعارضة للمطالبة بإعلان شغور المنصب وتنظيم انتخابات مسبقة وفقا للمادة 88 من الدستور بسبب «عجز الرئيس عن أداء مهامه « إلا أن هذه الأصوات لم تجد صدى في الجزائر، حيث أعلن في شباط/ فبراير الماضي عن ترشحه لـ «عهدة» رئاسية رابعة، حسب التعبير الجزائري!
وما يقال عن بوتفليقة، يقال عن كثيرين!