الأردن وسوريا… حذار التورط في «معركة درعا – الغوطة»
تذهب مختلف التقديرات، على اختلاف مصادرها، للقول بأن سوريا مقبلة على جولة ساخنة جديدة، بعد أن وصلت الجولة الثانية من المفاوضات إلى طريق مسدود … بعض المصادر تتحدث عن معركة دامية، قد تكون “فاصلة” في مسار الأزمة السورية.
توقيت الجولة: بين جولتي التفاوض الثانية والثالثة في جنيف، تسبق زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للرياض وتندرج في سياق عودة الروح للعلاقات الأمريكية السعودية، وتمهد للقمة العربية المقبلة في الكويت.
ساحة الجولة ومكانها: جنوب سوريا، من درعا على خط الحدود الأردنية – السورية، وصولاً إلى مشارف دمشق وريفها وغوطتيها.
أهداف الجولة: إحداث تغيير جوهري في ميزان القوى على الأرض بين النظام والمعارضة، يجبر دمشق على تقديم تنازلات سبق لوفدها إلى “جنيف 2” أن رفض تقديمها، وبما يفضي (ربما) لإقامة مناطق حظر جوي في الجنوب، أو خلق “شريط حدودي”، أما الحد الأقصى فتهديد النظام في عاصمته التي عاشت بعيدة عن المعارك خلال الأشهر الماضية.
كافة التقارير الغربية والعربية الموثوقة، باتت تتحدث عن هذا السيناريو، بوصفه التطور القادم لا محالة، على مسار الأزمة السورية … وثمة تفاصيل عن خطط واجتماعات استخبارية وجسور جوية لنقل السلاح وأنواع الأسلحة وفئاتها وأعداد المسلحين المجهزين للانطلاق في عملية اختراق يراد لها أن تكون كالسهم، من الحدود الجنوبية وحتى بلدة العتيبة الاستراتيجية على مشارف دمشق… ثمة أحاديث عن غرف عمليات جديدة وهيئة أركان جديدة، وانتقال مركز ثقل المواجهة والقيادة من الشمال إلى الجنوب، بعد أن تغيرت مواقف أنقرة، وتبدلت خريطة القوى في الشمال والشمال الشرقي لسوريا.
أين نحن في الأردن من كل هذا؟
الجميع يتحدث عنّا، في غياب روايتنا … وأنت لا تقرأ خبراً واحداً عن سوريا في الآونة الأخيرة، من دون أن يكون للأردن صلة من نوع معين بمجريات الأحداث وتطوراتها المتوقعة في الأسابيع والأشهر القادمة … من القرار الدولي (الإنساني!) في مجلس الأمن، إلى غرفة العمليات في الشمال، إلى الجسور الجوية لنقل السلاح، مروراًبتدريب وحشد المسلحين السوريين، إلى غير ما هنالك من عشرات التفاصيل التي تتداولها وسائل الإعلام ومراكز الدراسات والأوساط الدبلوماسية، التي تتابع الحدث السوري عن كثب.
أين الرواية الأردنية الرسمية من كل هذا الذي يجري ذكره وترديده، هل ثمة ما يتخطى الكليشيهات والشعارات الفضاضة التي لم تعد تكفي للتعامل مع طوفان المعلومات التي تتحدث عن “تورط” أردني متزايد في ثنايا الأزمة السورية ودهاليزها، هل قرر الأردن فعلاً الخروج عن ضوابط ومحددات موقفه من الأزمة السورية؟ … هل بلغت الضغوط على الأردن حداً يتعذر معه، البقاء بعيداً نسبياً عن التورط المباشر في دهاليز هذه الأزمة؟ … هل يخدم هذا “التورط” مصالح الأردن في سوريا ومعها، بل ومصالحه الأوسع والأشمل في المنطقة؟ وما هي هذه المصالح بالأساس، يبدو أننا بحاجة دائماً لطرح الأسئلة الابتدائية المؤسسة لأي سياسة والمُنشئة لأي حوار … وما الأثر الذي سيحدثه هذا “التورط” على أمن الأردن واستقراره؟
ثم، ماذا إذا انتهت الجولة الجديدة من المواجهة إلى مصائر مماثلة لجولة تشرين الثاني الفائتة، والتي انتهت بفشل ذريع للمعارضة في اختراق الخطوط الدفاعية للنظام السوري والوصول إلى قلب العاصمة؟ … ثمة من يقول إن تلك العملية تمت بذات الأدوات والأطراف ومن ذات الجبهات والحدود، قبل أن تصل إلى نهاية ماحقة للمسلحين، فما الذي يدفع للاعتقاد بان الجولة الحالية ستكون أوفر حظوظاً، ولماذا نجازف بعلاقات مع قوى وأطراف أخرى في سوريا والإقليم، في حرب لا ناقلة لنا فيها ولا جمل؟ … لماذا نقامر بتبديد بعض التقدم في علاقاتنا مع العراق وإيران على مذبح “المغامرات المذهبية” التي تقودها دول وعواصم في المنطقة، وبدوافع لا صلة لها بمصالح الشعب السوري وتطلعاته أبداً؟
الأردن الذي نجح طوال سنوات ثلاث في مقاومة الضغوط التي استهدفت استدراجه إلى فخ التورط المباشر في الأزمة السورية، خدمة لمصالحه، مُطالب بالحفاظ على موقفه هذا وموقعه من الأزمة السورية، فلدينا ما يكفينا من تحديات تنتظرنا على الجبهة الغربية، بعد أن تكشفت اجتماعات باريس بين كيري وعباس عن بعض التفاصيل البشعة في خطة الأول لحل القضية الفلسطينية، ولسنا بحاجة لفتح جبهات جديدة مفتوحة على شتى الاحتمالات.