العرب بين عمودية التقسيم وأفقيته!
أحياناً نكون كعرب آخر من يعلمون بما جرى لهم، ومن يتحدثون عن التقسيم واعادة رسم التضاريس السياسية للعالم العربي بعد قرن من سايكس – بيكو يفوتهم ان التقسيم ليس أفقياً وعلى الأرض فقط، فهو ايضاً عمودي، بدءاً من الطائفة والمذهب حتى الجهوية، ومثل هذا التقسيم العمودي أنجز بالفعل، وبانتظار ترجمته ميدانياً على الخرائط، وما من تقسيم أو تفريغ للهوية القومية الأم يمكن انجازه بالفعل، إلا اذا مهدّ له تقسيم في الرأس، وفي الوجدان أولاً.
ولا أدري لماذا نتنافس بهذا الشكل الأخرق والمثير للسخرية والشفقة معاً على معرفتنا المسبقة كما كتبه مستشرقون وجنرالات ومنهم برنارد لويس الذي رسم مسودة أولية للاطلس العربي القادم، فماذا فعلنا بهذه المعرفة وأية أجراس قرعت للتنبيه حول خطورتها؟
ثمة قطيعة توشك ان تتحول الى طلاق بائن بينونة كبرى بين ما يقوله المثقف أو الباحث في الشجن الوطني وبين ما يمارسه الساسة، لهذا تبقى كل القراءات والكلمات في قارة أخرى.
أذكر ان الاعلام العربي قبل العدوان على لبنان ظل يلح على مدار الساعة ولأسابيع على ذلك العدوان حتى أصبح متوقعاً ومن ثم مألوفاً وبذلك تم التمهيد للتأقلم معه كما لو أنه مجرد زخة مطر، أو سحابة غبار، وقد كتبنا مراراً في هذه الزاوية وسواها من الزوايا في الصحف العربية عن الموسوعة التي صدرت في أمريكا بعد سقوط جدار برلين، وهي تضم أكثر من مئتي اثنية في هذا العالم.. لكن الفصل المثير فيها كان عن الاثنيات في العالم العربي وكانت من بعض النواحي أشبه بدليل طائفي وليس سياحياً أو حتى سياسياً الى من يهمه الأمر..
التشطير العمودي للعالم العربي بدأ منذ زمن وتمت الاستجابة له بقوة، لأن هناك مكبوتاً طائفياً كان يبحث عن قشرة هشة ورقيقة في الدولة كي يندلع منها شأن البراكين، وقد غذى هذا التقسيم العمودي والايديولوجي كتابات وصحف وقنوات فضائية كانت تستضيف على الدوام أخصائيين ومعهدين في هذا الفقه التدميري، فالحروب الطائفية سواء كانت أهلية ساخنة أو باردة لم تنشأ بين ليلة و ضحاها، بل كانت دوافعها تتفاقم في أدبيات مضادة للهوية القومية، مما ادى الى هذا التذرر فالقسمة التي بدأت على عشرين قد تنتهي الى قسمة على صفر، ما دام المطلوب من الأطلس العربي ان يفكك بحيث يصبح دويلات أشبه باسرائيليات على صعيدي الجغرافيا والديمغرافيا معاً.
ان هذه القطيعة المزمنة بين ما يقوله المثقف العربي وما يمارسه السياسي والجنرال ستحول بمرور الوقت كل ما ينشر من معلومات وما يقرع من أجراس النذير الى هباء، ما دامت كلها ترتطم بحائط اللامبالاة وما دام الطين والعجين يقتسمان الآذان التي لا تسمع غير صدى صوتها!