بانتظار ان نسمع صوت المؤرخ..!!
“الميكرفون” في عالمنا العربي اليوم بيد السياسي، صحيح ان الشعوب انتزعته فيما مضى لبعض الوقت لكن السياسي استرده بسرعة بعد ان (قبض) على وسائل الاعلام واخضعها لسلطته ، اما الغائب الوحيد عن المشهد فهو المؤرخ الذي ما زال صامتا يراقب المشهد،لكن رغم اختفاء المؤرخ ظل التاريخ بظله الثقيل يطاردنا ،والتاريخ بالطبع ليس لحظة عابرة مضت وانما حدث يتحرك في الماضي والحاضر ، وقد يقفز الى المستقبل فيفاجئنا ويصدمنا ايضا.
هل نحتاج ان نسمع صوت المؤرخ اذن؟ ربما لكن الوقت لم يحن بعد ،ولذلك استأذن القارئ الكريم بالاستماع الى جزء من تاريخنا ، وهو – كما يعاينه المؤرخ المصري المرحوم عبدالحليم عباس في كتابه(سقوط 30 دولة اسلامية)- يبدو صورة قريبة تصطدم بها عيوننا كل يوم ،صحيح ان التاريخ لا يسير في خطوط مستقيمة تصاعدا او تنازلا وقد لا يتكرر تماما، لكن الصحيح ان وقائعه واحداثه تتشابه وتتطابق لدرجة ان وعينا على التاريخ قد يسعفنا في فهم سيرورة واقعنا ومآلات حاضرنا ايضا.
يعتقد عويس ان قصة ” الغنيمة ” في تاريخنا غريبة ، والدرس الذي تلقيه علينا – كذلك – أغرب، فلقد بدأت أولى هزائمنا بسبب الغنيمة ، ولقد وقفنا مرغمين – عند آخر مدى وصلت إليه فتوحاتنا ، بسبب الغنيمة – كذلك ،فقصة الغنيمة .. هي قصة الهزيمة في تاريخنا . كيف؟ كان قائد المعركة الأولى هو الرسول عليه الصلاة والسلام .. وخالف الرماة أمره، وخافوا من أن تضيع فرصتهم في الغنيمة .. فكانت ” أحد ” وشهد الجبل العظيم استشهاد سبعين رجلا من خيرة المسلمين .. بسبب الغنيمة ،اما قائد المعركة الأخيرة فهو “ عبدالرحمن الغافقي ” آخر مسلم قاد جيشا إسلاميا منظما لاجتياز جبال البرانس ، ولفتح فرنسا ، وللتوغل – بعد ذلك – في قلب أوروبا .،وهزم الغافقي .. سقط شهيدا في ساحة ” بلاط الشهداء ” إحدى معارك التاريخ الخالدة الفاصلة .. وتداعت أحلام المسلمين في فتح أوربا ، وطووا صفحتهم في هذا الطريق .. وكان ذلك لنفس السبب الذي استفتحنا به دروس الهزيمة .. أعني بسبب الغنيمة .
هكذا اذن انتهت دولة بني امية في الاندلس بعد ثلاثة قرون ،اما لماذا فيقول عويس بان من حقائق التاريخ التي نستفيدها من الوعي به وبقوانينه ، أن الدولة التي لا تفهم طبيعة تكوينها ، وتعمل على إيجاد حل دائم ملائم لهذه الوضعية ، تكون معرضة للزوال ..
مرة اخرى يذكرنا عويس بانك حين تذهب إلى التاريخ تتلقى منه تلقي التلميذ المتعلم ، وليس تلقي التلميذ المتحجر المكابر ، يروعك أنك تقرأ نفسك ومجتمعك وأحداث عصرك في بعض صفحاته ، وتكاد تحس بأن ما يدور حولك ليس إلا آخر طبعة من كتاب التاريخ ، وأن الذين يظنون أنفسهم آخر حلقات التاريخ – أي أفضلها – أو يظنون أنفسهم خارج دائرة التاريخ .. هؤلاء وأولئك قوم مخدوعون ، يمتازون بالغباء الشديد والسذاجة المفرطة .إن قصة خروجنا من الأندلس لم تكن قصة عدو قوي انتصر علينا بقدر ما كانت قصة هزيمتنا أمام أنفسنا .. قصة ضياعنا وأكلنا بعضنا بعضا كما تأكل الحيوانات المنقرضة بعضها بعضا )
ثلاثون دولة سقطت ،لكن كيف؟لكل سقوط اسبابه –يقول عويس- حين تستعين بعدوك التاريخي وتفقد القدرة على الرؤية الصحيحة .. فلا ضير في أن تموت .. فأنت ـ
لا ادري اذا كان بمقدورنا اليوم ان نستعيد بعض هذه الاوراق الذابلة من تاريخنا لكي نكتشف ما فعلناه بانفسنا وما سمحنا للآخر ان يفعله بنا بعد ان تهيأت قابليتنا لاستقبال الرضوخ والاستمتاع بالتبعية، وبعد ان تصورنا باننا محصنون مما حل باجدادنا وما جرى لاولئك الذين انحازوا لشهوة السلطة دون ان ينتبهوا بان العدل هو اساس العمران وبان قوانين الكون لا تحابي احدا ، (وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم).