0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

رسائل حماس المتضاربة

بصرف النظر عن الدوافع الكامنة وراء جملة المبادرات الانفتاحية التي تصدر عن حماس (بالذات من غزة) حيال المصالحة واستعادة الوحدة، فإن كل مخلص لقضية الشعب الفلسطيني، لا يستطيع إلا أن يرحب بهذا التطور المهم في مواقف الحركة، وهو تطور يعتبره البعض “انحناءة تكتيكية” أمام عاصفة الثلاثين من يونيو في مصر، فيما يرى البعض الآخر فيه، تتويجاً لمراجعات وقراءات في ضوء الدروس المستفادة من تجارب الربيع العربي على اختلافها وتنوعها، من جهتنا نتمنى أن يكون “البعض الآخر” على حق، وإن كنّا غير متأكدين من ذلك تماماً.
وفي ظني أنه يتعين مقابلة خطوات حماس بخطوات مماثلة من الجانب الآخر، أياً كانت التفسيرات والتحليلات لدوافع الحركة الخبيئة أو المعلنة، ولا يكفي أن تظل الحركتان الرئيستان، فتح وحماس، تتبادلان كتب النوايا وتصريحات المجاملة حول الحاجة لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام … هذا الأمر يجب أن يُترجم من دون إبطاء إلى برنامج عمل، مجدول زمنياً، ووفقاً للاتفاقيات المبرمة، لكي نضع سنوات الانقسام السبع العجاف، خلف ظهورنا.
بعض المراقبين يرى أن انغماس السلطة والمنظمة في مفاوضات السلام مع إسرائيل عبر الوسيط الأمريكي جون كيري، هو العائق الوحيد المتبقي أمام المصالحة، ويفترض هؤلاء أن الرئيس عباس يريد إرجاء أية خطوات جدية على هذا الطريق، بانتظار ما ستسفر عنه جولة كيري … والحقيقة أننا نسمع من مصادر رام الله، ما يشير إلى عكس ذلك، من دون أن نرى خطوات عملية، أو هجوماً تصالحياً بهدف استعادة الوحدة.
مع أن المصالحة والوحدة، مطلوبتان وضروريتان، سواء أخفق كيري في مسعاه أم نجح … سواء قبلت السلطة بمشروعه حين اكتمال عناصره، أم اضطرت لرفضه … فلا يمكن تسويق مشروع كيري من دون مصالحة، ولا يمكن مقاومة الضغوط الأمريكي – الإسرائيلي – العربية، في حال اضطُر الفلسطينيون لرفض المشروع، من دون مصالحة أيضاً.
لكننا ونحن نرحب بمناخات الانفراج التي تشيعها رسائل حماس الإيجابية، نشعر بالقلق لما يتسرب من معلومات عن “حالة حب غير عذري أبداً” تعيشها الحركة مع المسؤول الفتحاوي السابق محمد دحلان، فثمة ما يؤكد وجود قنوات اتصال وتفاعل بين الحركة ودحلان، ورجالاته في المجلس التشريعي وخارجه، عادوا أو هم في طريقهم للعودة إلى القطاع، وكأني بحماس تحاول اللعب على ورقة الصراع والتنافس بين الدحلان والقيادة الفلسطينية، وهذه لعبة خطرة، وحمّالة أوجه، وسلاح ذو حدين … مثل هذه “المناكفات”، أو الرسائل السلبية المضادة، لا يمكن أن تشيع مناخات من الثقة بين جناحي الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية، وستكون لها نتائج معكوسة.
نحن نعرف أن حماس لا تكنّ ودّاً للمسؤول الفلسطيني السابق، فهو كان من أكثر الشخصيات الفلسطينية كرهاً لحماس وعداءً لها … بيد أن الحركة “المخنوقة” بالحصار المصري المضروب عليها في قطاع غزة، تسعى بكل جهد، لـ “فكفكة” أطواق العزلة وإحداث الاختراق في جدار علاقاتها مع النظام المصري الجديد …وهي تعرف أن للرجل من موقعه الجديد، كشخصية مقربة من بعض شيوخ وحكام دولة الإمارات التي تتمتع بعلاقات متميزة مع الحكم المصري الجديد، يمكنه أن يقوم بدور معين في التقريب ما بين مصر وغزة، مقابل حصوله على “تسهيلات” لجماعته وأعوانه في قطاع غزة، تمكنه من استعادة مواقعه وخوض غمار المنافسة أو “المناكفة” مع القيادة الفلسطينية.
إن صح هذا التحليل، والأرجح أنه صحيح، فإن حماس تكون قد اختارت الطريق الخطأ للوصول إلى غايتها في تطبيع علاقاتها مع القاهرة… وحتى بفرض نجاح الحركة عبر قناة دحلان، في فكفكة بعض العقد الصغيرة في علاقاتها مع القاهرة، فإن المراقب يتساءل: ما نفع أن تستعيد حماس علاقات مع القاهرة وتخسرها مع رام الله، اللهم إلا إذا كانت الحركة تعتقد بأن دحلان هو رجل الساحة الفلسطينية المقبل، فإن كان الحال كذلك، فإن حماس ستكون قارفت خطأ مزدوجاً.
نحن من جهتنا لا نرغب في أن تظل حماس الطريق، ولكم تمنينا على الإخوة في الحركة، ألا يتساوقوا مع أجندة الإخوان المسلمين في صراعهم الداخلي على السلطة في مصر، وألا يجندوا أجهزة أعلامهم وقنواتهم الفضائية، في صالح فريق ضد آخر، وأن ينأوا بالحركة والقضية الفلسطينية عن الصراع الدائر في مصر … لكن من يتابع إعلام حماس، وتحديداً قناة “القدس”، يرى أن كل هذه التمنيات ذهبت هباءً، وأن الحركة ماضية في “تورطها” في ثنايا الأزمة المصرية.
وأحسب أن الفرصة لم تفت بعد على حماس، وثمة أطراف عديدة مستعدة للعمل على “خط الوساطة” بين حماس والقاهرة، لكن نجاح مساعٍ من هذا النوع، مشروط بشروع حماس فوراً ومن دون إبطاء، في اعتماد سياسة “النأي بالنفس” عن ملفات مصر الداخلية، وأن تكفّ عن مجاراة قطر وتركيا وجماعة الإخوان المسلمين، في حملاتهم الشعواء ضد العهد المصري الجديد، بصرف النظر عن الموقف مما حصل في الثلاثين من يونيو والثالث من يوليو، وما إذا كان ثورة مشروعة أم انقلاب على الشرعية.
يبدو أن الموقف من مصر، التي كانت وسيطا حصرياً معتمداً بين الفلسطينيين، قد بات جزءا من المشكلة الفلسطينية الداخلية، وعقبة إضافية على طريق استعادة المصالحة، وقد آن الأوان لتفكيك هذه العقدة الطارئة، وبأسرع وقت، حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من إتمام استعداداته، لمواجهة ما ينتظره من استحقاقات، تشير كافة الدلائل، إلى أنها ستكون قاسية على الجميع من دون استثناء.