لـمـاذا تـقـــوم الـثــورة .. وكـيــف..؟!
سؤال (الثورة) في عالمنا العربي ما زال معلقا بلا اجابة، البعض يتصور ان ما حدث كان مؤامرة خارجية ،والبعض يعتقد بانها مجرد (فورات) وانتفاضات شعبية،فيما يرى آخرون انها مزيج من عوامل داخلية متراكمة جرى توظيفها لخدمة استراتيجات دولية جاهزة، ومهما تكن مصادر هذه التصورات واهدافها فان المؤكد ان عالمنا العربي تعرض (لتسونامي) كبير ، ستكون له ارتدادات عميقة على امتداد بلداننا وسوف يؤسس لمرحلة جديدة ومختلفة، سواء على صعيد الدولة وشبكة علاقاتها ومجالاتها الداخلية ،او على صعيد المجال الجيو سياسي في المنطقة كلها.
يمكن ان نستعين هنا بما كتبه بعض فقهاء الثورات لمعرفة مقدماتها وأسبابها وخطوط سيرها (المرحلة الانتقالية) وصولا الى محطاتها الاخيرة، مع الانتباه دائما بان لكل ثورة خصوصيتها وظروفها ،فلا توجد نسخ متشابهة للثورات وان كان بعضها يتقاطع مع الآخر، كما انه لا يستطيع أي مرصد سياسي ان يحدد موعد الثورة متى، ولا طريقها كيف،ولا نهاياتها إلى أين.
في كتابه حول جذور الثورات في العالم الثالث يرصد ( جون فوران) 30 ثورة شهدها العالم منذ بداية القرن الماضي حتى الآن، ويرى ان هذه الثورات سببتها عوامل ضاربة في القدم وأنها جميعا كانت ستقع لا محالة وبالرغم من ذلك لم يكن من الممكن إطلاقا التنبؤ بموعد حدوثها.ويعتقد ان ثمة خمسة عوامل تتضافر لإنجاح أي ثورة اجتماعية وهي: التنمية غير المستقلة، والدولة القمعية الإقصائية المُشَخْصِنَة، وقوة وفعالية الثقافات السياسية المقاومة، وحدوث أزمة ثورية تتكون من تراجع اقتصادي، وتأثير عالمي مُمَهِد ناتج عن محاولات السيطرة الخارجية،وحول سيرورة الثورة ينقل الكاتب عن “جاك جولدستون” وهو من الجيل الأول لما يعرف بمدرسة “التاريخ الطبيعي للثورات” تقديره أنه قبل الثورات، يسحب المثقفون دعمهم للأنظمة القائمة، كما تجرى الدولة مجموعة من الإصلاحات، وتتفاقم الأوضاع بسبب أزمة دولة وليس بسبب نشاط المعارضة، وتظهر الصراعات بين ائتلاف الثوار على السطح بعد تولى السلطة، فيما تكون أول مجموعة تستولى على السلطة عادة من الإصلاحيين المعتدلين، ثم تبدأ الثورة في التشدد بعد أن يفشلوا في تنفيذ المطالب بالقدر الكافي.
اما أليكس كالينيكوس فيعتقد في بحث كتبه حول (عودة الثورات العربية) ان الثورات ليست نتيجة متوقعة لحركة التاريخ للأمام، بل أنها انفجار مفاجئ غير متوقع، في تاريخ يمثل “كارثة واحدة، يتراكم داخلها الحطام فوق بعضه البعض”.وهو هنا يستشهد بما كتبه احد المفكرين(اسمه بنجامين) في لحظة تاريخية كئيبة، “لحظة الظلام في القرن”، حينما بدت معاهدة هتلر وستالين وكأنها رمزًا لموت الآمال الراديكالية كافة. ومع ذلك، يضيف: تتلاءم الفكرة تماما مع الثورات التي تجتاح أنحاء العالم العربي منذ منتصف ديسمبر(2011). فقد بدت تلك الثورات وكأنها انفجار جاء من العدم؛ انفجار غير متوقع على الإطلاق؛ انفجار نتيجة لغضب استمرت ضغوطه العميقة على مدار عقود. ولن تقتصر نتائج تلك الثورات على مجرد إعادة صياغة الخريطة السياسية في الشرق الأوسط ، بل سوف تتجاوز معانيها التاريخية ذلك بكثير.
اخيرا يقول جورج فريدمان، مؤسس موقع “المخابرات الاستراتيجية” الامريكية :هناك لحظات في التاريخ، تنتشر فيها الثورة في منطقة ما، أو في انحاء العالم مثل النار في الهشيم. ولا تتكرر مثل هذه اللحظات كثيرًا. وتتضمن الأمثلة الحاضرة منها ما حدت عام 1848، عندما اجتاحت الثورة التي بدأت في فرنسا كل أوروبا، وعام 1968، حينما اكتسحت العالم مظاهرات ما يمكن أن نسميه اليسار الجديد، فشهدت مكسيكو سيتي وباريس ونيويورك ومئات من المدن الأخرى ثورات مناهضة للحرب نظمها الماركسيون والراديكاليون الآخرون. وشهدت براغ السوفيت يطيحون بالحكومة اليسارية الجديدة. بل ويمكننا حتى تضمين ثورة الصين الثقافية الكبرى في هذا الإطار إذا وسعنا منه. وفي 1989، شن الألمان الشرقيون الراغبون في اللحاق بالغرب، موجة اضرابات، أسفرت عن ثورة في أوروبا الشرقية أطاحت بالحكم السوفيتي. ونتج عن ظروف اجتماعية وسياسية مشابهة أحداث مماثلة، حفزها نموذج حدث في إحدى البلدان، ثم انتشرت على نحو أكثر اتساعًا. وهذا ما حدث عام 2011، ومازال متواصلاً..وللحديث بقية .