عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

شبابنا «المُسْتَضعَفون في الأرض»!!

أحد أبنائي فاتحني فجأة قائلا: قررت أن أهاجر إلى الخارج، لم يخطر في بالي – بالطبع – أن أصدمه بالرفض أو الموافقة، لأنني لا أريد أن امارس سلطتي “الأبوية” بل لأنني أدرك تماما ان جيل اليوم – على خلاف جيلنا – كسر عصا “الطاعة” وتمرد على كل سلطة، لذلك حاولت ان استدرجه لمعرفة دوافع هذا القرار، فلم يتردد عن تذكيري بكثير مما أعرفه عن “حيرة” الشباب اليوم، وحالة الاحباط التي اصابتهم بعد ان انسدت أمامهم فرص التعليم والعمل وافتقدوا الإحساس بالعدالة، قال لي: تصوّر، احد زملائي قرر قبل سنوات ان يدرس في الخارج، وفعلا حصل على قبول في احدى الجامعات الامريكية لدراسة “الهندسة”، ودون أن يكلف والده قرشاً واحداً، انهى دراسته وهيأت له الجامعة منذ السنة الاولى فرصة للعمل، كما منحته فرصة اخرى لإكمال دراساته العليا، ولا تسأل عن الراتب الذي يتقاضاه فهو عشرة اضعاف ما يتقاضاه زملاؤه في بلدنا.

لم أفاجأ، بالطبع بما ذكره “الفتى”، لكنني فوجئت بعد ايام حين ذكر لي بأن معه نحو (50) شاباً من زملائه يفكرون بالهجرة، وأنهم جادون في البحث عن جهة تستقبلهم، سواء لإكمال الدراسة أو العمل، وعندها أيقنت بأن المشكلة لا تتعلق بطموحات شاب أو عدد قليل من الشباب، وانما بـ”ظروف” متشابكة تدفع الآلاف من الشباب – والكبار ايضا – الى البحث عن “مهجر” جديد، سواء للهروب من واقعهم او لتحقيق طموحهم أو لإيجاد فرصة عمل تكافئ مؤهلاتهم وتساعدهم بتحسين احوالهم المعيشية.

في دائرة “القرابة” الضيقة أعرف اكثر من عشرة شباب “مبدعين” قرروا الهجرة للتعليم ثم اقاموا هناك، احدهم تخرج قبل نحو شهر في جامعة “مايوكلينك” بدرجة دكتوراه في جراحة الأعصاب، وآخر يعمل طبيباً في احد المستشفيات البريطانية المشهورة، وثالث يعمل في مركز للبحوث الفضائية.. وغيرهم ممن لا اتذكرهم الآن، لكن اغلبيتهم لا يفكرون بالعودة، وقد أسسوا لحياتهم ومستقبلهم هناك، وحرمنا -للأسف- من ابداعاتهم  ومن خبرتهم، ولا يمكن لأحدنا ان يلومهم، لأن اجابتهم ستكون عندئذ حاضرة وقوية، وهي: لو  وجدنا في بلادنا فرصة للعمل وحاضنة لتطوير مهاراتنا وراتبا مناسبا، هل يمكن ان نختار “الغربة”

 ونبتعد عن اهلنا ووطننا؟

من مفارقات ما سمعته من احد زملاء ابني الذي انضم الى قائمة “الهجرة” في محاولة لإقناعي بوجهة نظره، انه قال لي: ألم تقرأ قوله تعالى: “( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ? قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ? قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا )، قلت له: بلى  قرأتها، قال: إنها ياعمُّ لا تتحدث فقط عن الذين مُنعوا من “اقامة الدين”  وانما ايضا  عن الذين “مُنعوا” او حُرموا من “اقامة الدنيا”،  فنحن “مستعضفون” ايضا، لأننا  لم نجد الفرصة للبناء والتعمير في هذه الدنيا من اجل بناء آخرتنا، فما المانع اذن من ان نبحث  في ارض الله الواسعة عن مجالات تساعدنا في الاعتماد على انفسنا وتطوير مهاراتنا والعيش بكرامة؟

اعجبتني الفكرة،  وقلت له: ان احد فقهائنا اعتبر أن “المساكين” الذين اشارت اليهم آية “الصدقات” ليسوا  من لا يملكون  المال للنفقة على انفسهم، بل ايضا الذين لم تتوافر لهم “الحرية” لإعمال عقولهم وممارسة  حياتهم، وهؤلاء – كما ذكر –  يستحقون الزكاة،  واكاد اضيف يا بني  أن الشباب اليوم من طبقة “المستضعفين”  الذين يتوجب “الجهاد” من اجلهم،  ودفع الزكاة اليهم، واعجب كيف نغمض عيوننا على هؤلاء الذين يشكلون “مستقبلنا” وكيف نتركهم يقفون بـ”الطوابير”  امام السفارات  للحصول على “فيزا”  هجرة .. دون ان نسأل انفسنا: لماذا فعلوا ذلك، ولماذا قصرنا بحقهم، وكم نخسر بهجرتهم؟

في تقرير نشرته “ابسوس”امس، بلغ عدد الباحثين  من الأردنيين عن عمل في الخارج نحو “25%”  بواقع واحد من خمسة اشخاص، كما تقدر الاحصائيات عدد المغتربين الأردنيين في العالم بمليون شخص، نصفهم من القوى العاملة.

وأعتقد أن نسبة الهجرة للاردنيين في الأعوام الماضية قد تصاعدت، فيما تصاعدت ايضا اعداد “الكفاءات” الاردنية سواء الطبية او الهندسية او الجامعية التي قررت “الهروب” بحثاً عن عمل في الدول العربية المحيطة، في الوقت الذي يستقبل بلدنا “أوسع” عمليات التهجير القسري، بسبب ما يحدث حولنا في سوريا والعراق، وقبلها فلسطين، وفي الوقت الذي يشكل فيه العرب والمسلمون نحو 65% من نسبة المهاجرين في العالم.

لا أقصد، بالطبع، فتح “ملف” المغتربين والمهاجرين الأردنيين (وهو حافل بالمشكلات والقضايا المعقدة)، لكنني أشير فقط الى هذه الرغبة (هل هي رغبة حقاً) التي يشعر بها شبابنا للهروب من بلدهم والبحث عن “ذاتهم” في بلدان اخرى يعتقدون انها تسمح لهم بتحقيق طموحاتهم.. هل هي فعلا مجرد رغبة مشروعة، وحاجة انسانية مفهومة.. ام انها تخفي وراءها “اسراراً” أخرى نعرفها.. ولكننا نغمض عيوننا عنها، ونواجهها بابتسامات صفراء.. أو صمت مخجل؟ لا أدري.