عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

لكي لا نقع في «فخ» الاستدراج!

اخشى ما اخشاه هو ان نكتشف بأن المعركة التي نخوضها الآن ضد “المؤامرة” التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وما يترتب عليها من تداعيات على جبهتنا الوطنية، مجرد “طبخة” حصى، وبأننا استدرجنا اليها بشكل مقصود لاشغالنا عن ملفات اخرى، ربما تكون اهم، او اننا – اضعف الايمان – اندفعنا باسم الحماسة والرفض لمواجهة “اطار كيري” وبدل ان تكون النتيجة “اجهاض المخطط” اصبحت للاسف “اجهاض” اي بادرة توافق تحمي مجتمعنا من الانقسام والتفتت وتحافظ على ما تبقى من “عافيته”.. وكأننا نعيد قصة “الدب” الذي اراد ان يحمي صاحبه من “الذبابة” فقتله.

لا يخطر في بالي على الاطلاق ان “اهوّن” من خطورة ما يجري على صعيد التسوية التي حمل ملفاتها كيري في جولاته بالمنطقة، ولا ان اقلل من اهمية “الحراك” النخبوي الذي ترددت اصداؤه عبر التصريحات والبيانات التي حذرت وتوعدت بلغة “يتطاير” منها الشرر والفزع، لكن اريد ان أشير الى مسألتين: احداهما ان الاحتشاد الوطني لمواجهة مؤامرة مفترضة يقتضي بالضرورة “انضاج” موقف موحدة صلب يعبر عن “مطالب” محددة ويقنع الناس بها ويوحدهم عليها، لكن ما حدث للاسف كان عكس ذلك تماما، فقد تضخمت السجالات التي جرت حول “المسألة” الى “طاقة” غريبة انتزعت من المجتمع اسوأ ما فيه، وافضت الى اشتباكات عززتها الهواجس على الطرفين لانتاج حالة “انقسام” وتوتر وتراشق للتهم، اما المسألة الاخرى فهي ان العناوين التي ذهبنا اليها للتحذير من “تسوية” القضية على حساب بلدنا اختزلت  في بندين: احدهما جوازات السفر لابناء الاردنيات المتزوجات من اجانب، ولآخرين ممن تنطبق عليهم شروط الاستثمار والدواعي الانسانية، والبند الآخر ما تسرب من تصريحات في الصحافة الاسرائيلية حول موقف الاردن من بعض القضايا المتعلقة بالحل النهائي (ان كان ثمة حلف نهائي اصلا)، ومع الاحترام للاعتبارات التي دفعت المتخوفين على “الاردن” الى المطالبة بوقف الاجراء الاول (الجوازات) والرد على التسريبات الاسرائيلية، فان ثمة اشياء اخرى غابت عن النقاش العام، خذ مثلا مسألة الفصل بين الحقوق المدنية لتلك الزوجات الاردنيات (وهذه تحظى بموافقة معظم الاطراف السياسية) ومسألة التوطين التي تكل “بعبعاً” لدى المواطن الاردني، وانا اتحدث هنا عن “الفصل” فقط مع ان الاصل ان نتحدث عن معنى “التوطين” والوطن البديل وغيرهما من المفاهيم التي دخلت على حياتنا السياسية واصبحت “مجرد” مسلمات، الغرض منها التوظيف السياسي، مع ان المفترض ان يكون النقاش حولها تحت عنوان “المواطنة” او “الاصلاح” او غيرها من العناوين الدالة على رغبتنا في فتح هذا الملف تحت الشمس وبما يخدم مصلحة المجتمع والدولة في التوحد والتماسك لا في الصراع وتبادل الاحساس بالغبن والموضوعية.

بدل ان نبحث عن “المشتركات” والقواسم للوصول الى حلول، ابتدعنا ما يمكن ان نجده من “فوارق” واختلافات وفزاعات لاذكاء حدة التوتر والصراع وانتاج “ازمات” جديدة، وبدل ان نتوجه الى “اولويات” اصيلة وقضايا تهم الناس، وتدفعهم الى “الاصطفاف” في مواجهة اي خطر يحدق بيننا، استدرجنا البعض – للاسف – الى “بؤر” توتر، وحقول مليئة بالالغام، لاستنزاف طاقتنا وتحويلنا الى “مقاتلين” في خندقين متقابلين بدل ان نكون “صفاً” واحداً في مواجهة عد واحد.

في زحمة الانشغال “بالتسوية” هذه التي اعتقد انها لن تتم ابدا، لا لأننا – كعرب – لا نسعى لها وانما لان اسرائيل غير معنية بها ولن تقدم من اجلها اي ثمن، ترى من يتذكر حالة الاقتصاد على صعيدنا “الوطني” قصة مشروع الاصلاح الذي تعطل، من يتذكر حالة الاقتصاد التي تخنق الجميع، من يتذكر اولويات الحريات العامة، والعدالة، وطوابير الفقراء والعاطلين عن العمل، واداء البرلمان والاجراءات الحكومية في ملفات اهم من “الحقوق المدنية”… للاسف انزوت كل هذه الاولويات الى “الظل” وكأننا استدرجنا الى “قصة” التسوية وجولات كيري، فأصبح مجرد الاعلان عن قانون انتخاب جديد مصدر فزع لنا، ومجرد التفكير باستقطاب “المستثمرين” مدعاة لاثارة هواجس “التوطين”، وكل هذا حدث تحت الاحساس بتراجع هيبة الدولة وانحسار الثقة بين الناس والمسؤولين، وتوزيع صكوك “الولاء” للوطن وتراشق التهم بين من تصوروا انهم “اوصياء” ومن  لحقت بهم وصفة “الغرباء”…

لا أحد يستطيع ان يفرض علينا – اردنيين او فلسطينيين – ما لا نقبله، حتى لو تصور البعض بأن الضغوطات ستكون اكبر من قدرتنا على تحملها ومواجهتها، فخطر الآخر علينا اقل بكثير من خطر انقسامنا على انفسنا، ومن خطر انشغالنا “بافحام” بعضنا، ومن خطر تصفية حسابات الماضي على حساب الحاضر والمستقبل، وهو المنطق الذي انشغلنا به – للاسف – عند ادارة معاركنا السياسية او مواجهة الاستحقاقات التي فرضتها علينا المرحلة الراهنة.