0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

ســـجـــالات مــســــمـــومـــة!

اخطر ما يمكن ان نقترفه في هذه المرحلة التي تتعرض فيها منطقتنا لمزيد من الحروب والصراعات على تخوم الدين والهوية، والمستقبل ايضا، هو ان نستحضر اسوأ ما لدينا من ادوات لتوظيفها في تبرير اهدافنا، او افحام خصومنا، او الانتصار  لمصالحنا على حساب قيمنا ومبادئنا.

لا اتحدث هنا عن منطق استخدام “الطائفة” او “المذهب” او “القومية” او “الدين” فهذه –كلها- للاسف وجدت بيننا من يوظفها اسوأ توظيف لأغراض سياسية انتهت كما نرى الى تمزيق امتنا وتهديد وحدة اقطارنا واتاحة المجال للآخر لكي يتغلغل داخلنا ويقودنا الى الهاوية.

لكن ما اقصده حين اتحدث عن “الادوات” وخاصة فيما يتعلق بالمجال الاعلامي الذي اصبح طرفا في هذا الصراع هو استخدام مصطلحات مثل: “العنصرية” كتهمة تلصق ببعض الاطراف، او كفعل يمارسه احد الاطراف، في اطار السجالات السياسية التي تتوسد استثمار “العاطفة” الاجتماعية للتحريض على رفض مقررات ما، او للضغط من اجل تمريرها.

حين تدقق بما تنشره بعض وسائل الاعلام تحت لافتة “العنصرية” تكتشف ان ثمة مناخات سياسية يجري استثمارها –بقصد غالبا- لحسم ملفات مسكوت عنها، او لزعزعة ثقة المجتمع بنفسه او لاغراقه في جدل مسعور وغير منتج، كما تكتشف بان ثمة محاولات لاستدعاء وهم “المظلومية” في اطار صراعات سياسية تعتمد اساسا على “التنوع” الاجتماعي وما يتضمنه من عوامل “ضعف” احيانا، بهدق تخويف المجتمع والاستقواء على ثوابته وعلى معادلات “المصالح” العامة التي يتوافق عليها.

لا يوجد في صميم تركيبة مجتمعنا “روافع” حقيقية لانتاج العنصرية فبعد عدد من الهجرات الكبرى استطاع هذا المجتمع ان يجد مساحات عريضة للانسجام والتعايش، وتمكن من استيعاب حالة “التنوع” والتعامل معها بمنطق “الاثراء” لا بمنطق “الاقصاء” لكن يوجد –للاسف- لدى البعض وخاصة الفاعلين في المجالين السياسي والاعلامي استعداد ورغبة في استخدام هذا المصطلح سواء لتأجيج مشاعر الكراهية وخلط الاوراق او لانتزاع مكتسبات ذاتية او لتمرير وصفات تهدف الى اضعاف المجتمع في اطار لعبة تقاسم الادوار والمصالح.

احيانا، يتصيد البعض تصريحات تعبر عن “تخوفات” مشروعة جرى التعبير عنها بخطاب غير سياسي، لاعادة تذكيرنا “بفزاعة” العنصرية واحيانا يتعمد البعض تجاهل “حالة” التوافق الاجتماعي بين مكونات المجتمع لاختيار مواقف سياسية او مقررات ما، معزولة عن سياقها العام من اجل اثبات فرضية “العنصرية” وفي الحالتين يدفع المجتمع ثمن هذه “السجالات” المسمومة، وهذا الثمن لا يتعلق –فقط- بما يترتب على هذه “الشيطنة” من تداعيات خطيرة على  الوئام الاجتماعي والتماسك الوطني وانما يتجاوزه الى “اختلاق” صراع وهمي على الهوية وخلاف على المصالح العامة للدولة، واختلال في القواعد والمعادلات التي يفترض ان تنظم السلوك العام وعلاقة المواطنين مع بعضهم ومع الدولة ايضا.

لا يمكن ان يخطر ببالك ان بلدا كالاردن استقبل ملايين اللاجئين وترأست حكوماته الاولى شخصيات عربية وانحاز “لنبض” امته وقضاياها وتحمل تكاليفها الباهظة، ان يحشر في زاوية “العنصرية” لا لأن هذه الوصفة تتعارض –اصلا- مع خطه السياسي، وانما لانها تتعارض مع طبيعة شعبه ومع مرتكزات وجوده وحضوره ايضا كما ان استخدامها يبدو “صوتا” ناشزا في سياق الايقاع العام لحياة الناس وسلوكهم.

لا ادعو هنا الى وقف استخدام هذا المصطلح سواء في المجال السياسي او الاعلامي وانما ادعو الى تجريمه فأخطر ما يمكن ان نواجهه هو ان نسمح لمثل هذه “الادوات” القاتلة ان تستحوذ على نقاشاتنا العامة او ان تجد لها “ملاذات” مشروعة في سياق صراعاتنا السياسية، واسوأ ما يمكن ان نفعله هو ان نتقمص “حالة” اخرى لا علاقة لها بحالة بلدنا فنسقطها علينا دون انتباه  لما تخفيه من محاولات بائسة للتغطية على الجريمة الاصلية، وتحميلها الى  ضحايا متخيلين.

يبقى ان “مناعة” بلدنا اقوى مما يتصور بعض من يروج لهذه “المصطلحات” المغشوشة كما ان وعي الاردنيين الحريصين على تماسك مجتمعهم ووحدته أعمق من أنْ تنطلي عليهم مثل هذه المقولات والمحاولات غير البريئة.