0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

في المطبعة

منذ عام ونصف تقريبا، والصديق المهندس خليل القنصل يعمل على تحويل كتابات متفرقة، معظمها بخط اليد تركها الراحل جلال نحاس وراءه، وتحويلها الى نص أدبي متكامل، وقد نجح اخيرا بعد جهود مضنية، والكتاب في المطبعة وسوف يصدر قريبا، وقد تشرفت بكتابة شهادة حول خلال في الكتاب  قلت فيها:

«لا أعرف تماما المسوغات التي جعلت من الطالب المادبوي جلال جريس النحاس يترك مقاعد دراسة الطب في الإتحاد السوفيتي ويلتحق بفصائل المقاومة الفلسطينية في بيروت، قبل بداية سبيعينيات القرن الماضي بقليل، لكن ما اعرفه يقينا أنه صار منذ ذلك الوقت رمزا ثوريا لنا،في مادبا على الأقل، لذلك كان من   البديهي أن يكون جلال أول من أبحث عنه عندما وصلت بيروت بعد منتصف السبعينيات.

التقيت بجلال في احدى بيوت الطلبة، وقد كانت مفاجأتي عظيمة، اذ خلافا للشكل البطولي الذي نصنعه في مخيالنا  للبطل كما نتوقعه (طول فارع، عضلات مفتولة، شكل جميل، افتخار بالذات، ثقة بالنفس، وما الى ذلك) وجدت أمامي رجلا قصيرا مفرطا في التواضع كتوما صموتا، يبدو لك كشخص يتجنب الآخرين قدر الإمكان. ولا أخفيكم أن الصورة النمطية للبطل قد تكسرت في مخيلتي وتحولت الى شظايا.

لكن ذلك لم يمنع أن أحاول تركيب صورة جلال الحقيقي محل صورة جلال المتخيل، بعد ان سمعت بطولات اكثر وأكثر عنه هناك دون ان يتكلم هو عنها ولو حرفا واحد. كان جلال انذاك مسؤول اكبر معسكر تدريبي للجبهة الديمرقراطية لتحرير فلسطين، وكان من القلة من خبراء تصنيع المتفجرات وتدريب الفدائيين على استخدامها في الثورة الفلسطينية، وقد درب العديد من الفداييين الذين قاموا بعلميات ناجحة في عمق فلسطين، كما شارك في العديد من العمليات. وكان من الندرة الذين لم تلوثهم الثروة ولا المال وعاش طوال تلك الفترة التي استمرت لأكثر من عشرين عاما على مخصصه المالي المتواضع.

طبعا كغيره من الشرفاء، وبعد أن تحولت الثورة الى اداة للتفاوض والمساومة، عاد جلال الى الأردن، حلط ملط،  بعد أن تخلى عنه الرفاق تماما، ليفتح محل (دراي كلين) متواضع جدا استدانه من البنوك، طبعا لم ينجح كثيرا في هذا العمل،لأنه قضى شبابه ونصف شيخوخته مقاتلا عسكريا ينظف البلاد من الأعداء كما ينظف الملابس من الأوساخ.

بعد عوده جلال الى مادبا تعرفنا عليه اكثر وأكثر لأكتشف فيه رجلا مثقفا بالغ الثقافة والإطلاع في مجال الأدب والرواية، وقد كتب نصوصا ممتازة جدا تدور احداثا على نقاط التماس في جنوب لبنان، وقد  قرأت مخطوطتها قبل سنوات، وكانت رائعة، لكنه لم يرض عنها، وأعاد كتابتها فكانت أروع وأروع، لكنه لم يرض عنها ايضا، وقضيت الخمس سنوات الأخيرة وأنا أحاول أن اقنعه لينشرها، كان يعدني خيرا كلما رأيته، لكنه لم يف بوعده.

بعد وفاته صدرت اصوات من رابطة الكتاب تدعو لنشر النصوص التي تركها جلال، وقد تكفل الصديق المهندس  خليل القنصل بمعظم العمل ونجح اخيرا في تحويل نصوص مبعثرة على اوراق فوضوية  مكتوبة بخط اليد، الى عمل ادبي متكامل، ها هو أمام أعينكم. وهو خليط عبقري من الشعر والقصة والرواية والمقالات….وقد نختلف على تسميته وتصنيفه، لكننا لن نختلف بالتأكيد على أنه نص حار وطازج وصادق، يصف مرحلة من مراحل النضال الوطني كما عاشها وساهم في صناعتها الكاتب عينه».