صور الأنبياء على الشاشة… بين جدل الديني والفني!!
باستثناء النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ظهر معظم الانبياء في افلام قدمتها السينما العالمية، وكان اولهم سيدنا عيسى عليه السلام الذي خصصت له هوليوود منذ عشرينيات القرن الماضي عددا من الافلام، اخرها “آلام المسيح” الذي سجّل ارقاما قياسية في الأرباح والمشاهدة.
الآن ثمة عودة “سينمائية” لافتة الى الدين من خلال انتاج افلام بميزانيات ضخمة حول عدد من الأنبياء، وهذه العودة –بالمناسبة- لا تتعلق بالغرب وحده وانما بعالمنا الإسلامي ايضا، لكن الفارق ان السينما الغربية لا تجد ادنى حرج من تقديم مثل هذه الافلام لمشاهديها، فيما لا يزال سؤال “الحرام” يطارد اي محاولة “اسلامية” لانتاج كل ما يتعلق بالانبياء، وحتى الصحابة الكرام ايضا.
في هذا العام، سيكون متابعو افلام “هوليوود” بانتظار خمسة افلام تتحدث عن قصص مقتبسة من التوراة والانجيل وفيها سيظهر عدد من الأنبياء مثل: نوح، موسى، وعيسى عليهم السلام اضافة الى فيلمين عن “مريم” وآخر عن “قابيل وهابيل” وربما يكون فيلم “نوح” الذي سيعرض منتصف هذا العام اكثر هذه الافلام اثارة للجدل، سواء بسبب المشاهد التي قد تثير حفيظة المتدينين او بسبب الرؤية التي يقدمها حول النبي كمناصر “للبيئة” وحو “الفيضان” كعقوبة لمن يسيء للنظام البيئي، كما يتوقع ان يثير فيلمان حول حياة سيدنا موسى هما “الخروج من مصر” و”آلهة وملوك” ذات الجدل ايضا.
على ضفة عالمنا العربي ايضا، ثمة فيلمان ايرانيان –قيد الانتاج- احدهما عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والآخر عن النبي سليمان عليه السلام وثمة افلام اخرى تتناول بعض الأنبياء مثل: النبي موسى، النبي ابراهيم، والنبي ايوب عليهم السلام، ولكن –حتى الآن- لم يكشف مخرجو هذه الافلام فيما اذا سيتم تجسيد شخصية الرسول من خلال احد الممثلين ام لا، لا سيما وقد اصدر الازهر وبعض المجامع الفقهية فتاوى تطالب بمنع عرض هذه الافلام حفاظا على صورة الرسل في اذهان المسلمين وتجنبا لتشويهها والكذب عليها، علما بان السينما الايرانية قدمت العام الماضي شخصية الرسول يوسف عليه السلام وشخصية مريم عليها السلام في افلام حظيت بمباركة من قبل المرجعيات الشيعية وانتقادات واسعة من قبل المرجعيات السنية.
منذ اربع سنوات عرضت دولة قطر انتاج فيلم سينمائي عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وخصصت نحو 200 مليون دولار للعمل، وقد اختارت شركة النور التي تولت انتاجه المخرج العالمي “باري اوزين” لتنفيذه لكنها اشترطت عليه ان لا يتم تجسيد صورة النبي على الشاشة علما بان الفيلم سيكون باللغة الانجليزية وموجها للعالم العربي.
لا يتسع المجال هنا لعرض “الانتاج” السينمائي العالمي المتعلق “بالانبياء” ورجال الدين، فهنالك مئات الافلام الغربية عن الانبياء والقساوسة والرموز الدينية وقد بدأت منذ 90 عاما، وها هي تعود الآن، لكن يبدو ان مخزوننا “الاسلامي” في هذا المجال متواضع جدا، فقد شهدت السينما المصرية في بداياتها بعض الافلام حول حياة “النبي محمد” صلى الله عليه وسلم، كما اننا نتذكر فيلم مصطفى العقاد “الرسالة” وربما يطرح- هذا الواقع سؤالا ضروريا حول علاقة الدين بالفن، وموقف الاسلام تحديدا من الفنون، لا سيما في اطار تجسيد او تمثيل صورة الانبياء على الشاشة، وهو السؤال الذي لم تحسم الاجابة عنه بعد.
يبقى ان عودة “السينما” للدين في هوليوود تحديدا تحتاج الى تفسير ايضا ومع ان صحيفة “وول ستريت” نقلت عن مخرجي ومنتجي هذه الافلام الدينية ان “الاحداث التي يشهدها العالم سواء في اوروبا او الشرق الاوسط من ثورات وتغيرات سياسية وازمات اقتصادية دفعتهم للعودة الى قصص الكتب المقدسة لانها تلهم الناس وتجعلهم يستفيدون من المواعظ التي تتضمنها” الا ان ثمة اسبابا سياسية اعمق وتجارب اكثر اهمية، ربما اغرت هؤلاء على “توظيف” صورة الانبياء لاغراض سياسية واخرى ربحية لا سيما اذا تذكرنا أنّ معظم هذه الافلام تستقي قصصها من التوراة؛ ما دفع عدد من المحسوبين على “اللوبي” الصهيوني الى اشهار احتفائهم بمثل هذه الافلام خاصة وان هوليوود انحازت دائما في افلامها ضد العرب والمسلمين لمصلحة ابراز “صورة” اليهودي الشجاع والضحية والمتحضر ايضا.
ما يهمنا هنا في عالمنا الإسلامي الذي ما زالت العلاقة فيه بين الدين والفن مسكونة “بالجدل” وسوء الفهم والفقر الفني والمعرفي ايضا، هو البحث عن “مخرج” نستطيع من خلاله ان نعيد الاعتبار للدين، وللفن معا وان نسخرهما لخدمة الإنسان، تدينا وتحضرا ولخدمة الإنسانية ايضا.