مصر أدرى بشعابها!!
حين نكتب عن مصر لا نشعر بأننا ندخل الى بيت الجيران من النافذة، بل من البوابة الكبرى لوطن نتجول في أروقته وحجراته، هذا على الأقل ما أحسست به عندما أتاح لي الاشقاء في مصر ان أبدي رأيا في أي شجن من شجونها، لكن ما أعنيه بالقول أنها الأدرى بشعابها هو تلك التفاصيل التي لا تظهر على السطح، فالقراءة السياحية لظواهر تاريخية معقدة لا قيمة لها، وما يحدث الآن عبر كل خطوط الطول والعرض على امتداد تضاريسها لا يقبل الاختزال الاعلامي المخل وقدر تعلق هذا التعميم بالاخوان فهم ولدوا في مصر قبل اكثر من ثمانين عاما، لكنهم لم يسأموا تكاليف الحياة السياسية كما قال شاعرنا زهير بن ابي سلمى، ولم تكن تلك العقود رحلة يسيرة لجماعة راوحت بين الدعوة والحراك، وأخيراً خوض معركة السلطة.
ما يهمنا ليس ما تتناقله وسائل الاعلام على مدار الساعة عن مصر لأهميتها أولاً ولأنها طالما لعبت دور الرافعة في العالم العربي، ونذكر للمثال فقط أن رواد التنوير والنهضة العرب الذين وفدوا اليها من بلاد الشام وجدوا الحاضنة الدافئة والتربة الخصبة لتحقيق مشروعهم.
ان أهم محور متعلق بمصر الآن وكل أوان هو الدولة سواء سميت عميقة أو بيروقراطية مزمنة أو أي اسم آخر.. فهي منذ مينا واخناتون سواء كان التوحيد للقطرين أو للعقيدة، تقطر منها من الخبرات ما يكفي لحمايتها من التفكك الذي كانت قاب حراكين أو ادنى منه، عندما التبس المشهد على البعض وخلطوا بمعزل عن النوايا الحسنة والسيئة بين النظام والدولة، وهناك استراتيجيات شبه ثابتة عاشتها الدولة المصرية وتبناها حتى غزاتها فرضها المكان، أو سطوة الجغرافيا التي يسميها د. جمال حمدان عالم الجيوبوليتك الذي رحل في ظروف غامضة عبقرية المكان.
مصر يعيش تسعون مليون انسان فيها على مساحة لا تتجاوز أربعة بالمئة من مجمل مساحتها، وهذا بحد ذاته أمر يتطلب وقفة تأمل.. لهذا نقول على سبيل الاحتراز فقط ان أهل الكتابة أدرى بشعابها وهم ايضا الادرى بما كان الحال سينتهي اليه اذا اندلعت حرب أهلية، أو ظهرت فيها دعوات تطالب بالتقسيم وقد حدث ذلك بالفعل سواء من خلال فئة من أهل النوبة اطلقت على نفسها «كتالة» وكان شعارها الكلاشينكوف أو من خلال ما تسرب من كلام عن مدينة سيوة التي يقال بأن سكانها من أصول أمازيغية.
وما حاوله بعض أقباط المهجر ووجه بشجب واستنكار من اقباط مصر لم يكن خارج هذا السياق، لكن الاقباط المصريين رفعوا شعاراً منسوباً الى البابا الراحل شنودة هو ان مصر تعيش فينا وليس فقط نعيش فيها.
ان تفكك الدولة المصرية أو وقوع البلاد والعباد تحت براثن الفوضى كان لا بد ان يفضي الى التمزق، وبالتالي تآكل الهويات الفرعية والصغرى الهوية الأم كما يحدث الآن في بعض الاقطار التي وعدت بالحرية فلم تحصد غير الموت والقبور الجماعية.
لسنا أدرى بها منها، لكن نهوضها وتماسكها تخصنا، بل هو في الصميم من مستقبل أمة بأسرها!