أردوغانيات!
على الرغم من قسوة المحنة التي عاشها زعيم تركيا القوي، إلا انه يبدو في غاية القوة والتماسك، فهو محارب عنيد، لم يغير من صيغة خطابه ولا رؤيته حتى وهو على يقين أن من استهدفه كان يريد أن يحبط النهج الذي يسير عليه، فهو لم يزل «ينعم بولاء شديد من جانب ناخبين متدينين وصفوة ثرية» وهو أمر كاف لبقائه في السلطة في مواجهة أزمة الفساد التي هزت أركان حكومته وامتدت إلى أسرته، ورافقتها كثير من الشائعات التي ثبت أنها بلا أساس..
قصة «تورط» ابن اردوغان بالفساد التي هلل لها كثيرون، كانت محض كلام فارغ، خاصة وأن من «احتفل» بها ربطها بمقولة تروى عن أردوغان، وهي أن الأب الفاسد يعلم ابنه الفساد!
اردوغان من جهته، نفى نفيا قاطعا الاتهامات التي وجهت الى نجله الاكبر بلال في إطار قضية الفساد، وقال بالحرف الواحد: أنه سيتبرأ من ابنه لو كان متورطا في الفساد، وقال اردوغان «شنت المعارضة في الآونة الأخيرة حملة تشهير ضد أبنائي. لتكن الأمور واضحة: لو كان احد أبنائي متورطا في مثل هذه القضية، لكنت تبرأت منه على الفور».
بحسب الصحافة التركية فإن نجل أردوغان الأكبر بلال، هو ضمن لائحة من 30 رجل اعمال ونائبا استهدفتهم مذكرة توقيف أصدرها النائب العام في اسطنبول لكن الشرطة القضائية رفضت تنفيذها. وتزعم الصحف قيام بلال اردوغان (34 عاما) باستغلال النفوذ من خلال مؤسسة تربوية يترأسها هي المؤسسة التركية لخدمة الشباب والتربية، بحسب ما اوردت الصحف التركية التي نشرت شائعات أيضا عن هروب بلال إلى الخارج. لكن وزير العدل التركي بكير بوزداغ أكد من جانبه عدم صدور أي مذكرة توقيف ضد نجل رئيس الوزراء. وقال الوزير: «أريد التأكيد بأنه لم تصدر أي مذكرة توقيف ولا امر اعتقال ضد بلال اردوغان»، مضيفا أن «المعلومات التي اشارت الى انه قد يكون غادر البلاد او مختفيا لا تمت للواقع بأي صلة».
إذاً قصة بلال اردوغان وفساده محض اختلاق وهربه كذب وادعاء!
أما خطاب أردوغان، الذي استهدف أيضا، ضمن ما استهدف، في سياق ما قال عنه الرجل أنه أكبر محاولة انقلابية تعرض لها حكمه، فقد بقي على حاله، وربما ازداد شراسة، ولعل اقوى دليل على تمسكه بمواقفه المبدئية التي يدافع عنها بقوة، ما قاله قبل أيام ضمن فعاليات المؤتمر السادس لسفراء الجمهورية التركية، حين ألمح بشكل صريح إلى الدور الذي يخطط لتركيا أن تنفذه، فقال بكلام لا يقبل التأويل: «نقول للمندهشين من اهتمامنا بـ «سوريا» و»مصر» و»ميانمار»، إننا لا نستطيع الجلوس متفرجين، في الوقت الذي يلتهم فيه الحريق جيراننا، الذين كنا معهم قبل 100 عام، أبناء بلد واحد، قُسم بأقلام ومساطر، وإن وقوفنا إلى جانب أشقائنا يدخل في إطار مسؤوليتنا التاريخية تجاههم». وقال أيضا: الحكومة التركية لا تخفي شيئًا في سياستها الخارجية، وباطننا كظاهرنا، وأن تركيا بلد يتصرف وفق المبادئ، وليس وفق النوايا والأجندات السرية ، وقد اعتبر البعض هذا الكلام تعبيرا تركيا عن الحلم العثماني، الذي كان يبسط نفوذه على دول المنطقة، إلى أن جاء سايكس وبيكو البريطاني والفرنسي، وقدموا التركة العثمانية في المنطقة بالقلم والمسطرة إلى مناطق نفوذ بين بلديهما، والحقيقة أنه لا يوجد في تركيا من يحلم بإعادة عهد السلاطين العثمانيين، إنما هي فزاعة يستعملها من يريد أن ينال من خط أردوغان الإسلامي المعتدل، الذي ينظر إليه ملايين المسلمين كقدوة، يمكن أن تزاوج بين الديمقراطية المدنية والمفهوم الحداثي للثقافة والحضارة الإسلاميتين، وهو مفهوم خطير ينظر إليه كثير من «أعداء» الأمة باعتباره خطرا أشد من خطر القاعدة على أعداء الأمة الإسلامية!
أردوغان سيتجاوز الأزمة، والتآمر عليه إلى زوال، رغم ما أصابه وأصاب تركيا من خسائر.