كيري .. حصاد الهشيم!
على الرغم من كل ما يثار حول خطة كيري للتسوية السياسية، والتكهنات التي اثيرت حولها، يبدو أن ثمة شكا كبيرا في ان تكتب لها الحياة، ليس لأنها ولدت ميتة فقط، بل لأنها ايضا محض تحايل على القضايا الكبرى التي لا يجرؤ اي من طرفي القضية على القفز عنها، لأكثر من سبب!
صحيفة «واشنطن بوست» تساءلت في افتتاحيتها أمس الثلاثاء قائلة: «هل يمكن لخطط جون كيري للسلام أن تنجح؟» وقالت إنه بعد 10 زيارات إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية، والعديد من الاجتماعات مع قياداتهما، لم يحرز وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري أي تقدم ملموس نحو صفقة سلام شاملة، وهي قضية بعيدة المنال واستحوذت على اهتمامه ومتابعته في الوقت الذي عزفت أمريكا عن التفاعل مع أزمات أشد إلحاحا كالأزمة السورية والمصرية والعراقية، لكن كيري نجح في وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على المحك، ووفق مصادر الصحيفة، التي قلما تتوافر لصحيفة عربية، ترى أنه مع اقتراب نهاية التسعة أشهر المحددة للمفاوضات في نيسان/ أبريل انتقل كيري من محاولة دفع الطرفين نحو التوصل إلى اتفاق على شروط الدولة الفلسطينية إلى الضغط عليهما لدراسة مقترح أمريكي حول اتفاق إطار يحدد مبادئ حل ما يصفه كيري بالقضايا المركزية، بينما تترك التفاصيل الصعبة للمفاوضات المستقبلية، وهذه حيلة قديمة للأمريكيين، في القفز عن المشكل الرئيس في القضية الفلسطينية، هروبا لإنجاز شيء ما، ولو كان مسخا، لإيهام انفسهم اولا، والآخرين ثانيا، أن ثمة منجزا في قضية عويصة، لن تحلها إلا صحوة عربية حقيقية، تعيد الأمور إلى نصابها، لكنهم يسعون كما هو دأبهم لحل «تخديري» يراعي مصالح حليفتهم إسرائيل، ويعطي للفلسطينيين بعض الفتات، وفي هذا الصدد، ترى الصحيفة أن كيري دفع الجانبين إلى موقع خياراته قليلة، كما أنها حقيقية وصعبة؛ بحسب تعبير كيري، وحسب التقارير الإخبارية الإسرائيلية والعربية، فإن على عباس أن يقرر إن كان سيقبل فكرة وجود قوات إسرائيلية على الحدود الشرقية لدولة فلسطينية لفترة طويلة، وإن كان مستعدا للاعتراف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، وعلى نتنياهو أن يقرر ما إذا كان سيقابل التزامات تاريخية محتملة كهذه بالموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، وأن تكون عاصمتها في القدس الكبرى، حتى ولو كانت دولة «مسخا» أقرب ما تكون إلى دولة على الورق منها إلى الدولة الحقيقية، ومع هذا تقول الصحيفة «أغلب الظن أن أحد الرجلين أو كليهما سيرفض العرض الأمريكي، أو يبدي تحفظات وتردد بشأن الشروط سيكون لها نفس أثر الرفض، وكما توقعنا، تقول الصحيفة أن موافقة عباس على ما عرض عليه، يعتمد كثيرا على دفع الحكومات العربية للرئيس الفلسطيني نحو الموافقة ومنحه غطاءً سياسيا، وهو ما جعل كيري يزور بذكاء كلا بعض الدول العربية المؤثرة!!
بقية مقال حلمي الاسمر
المنشور على الصفحة الاخيرة
بعد أن بذل (كيري) الكثير من الوقت والمكانة الشخصية لتحقيق حلمه بالتوصل إلى اتفاقية سلام في الشرق الأوسط بوساطته، حسب تعبير الصحيفة الأمريكية، فقد يرضى بأن يفعل ما فعل من سبقه من الوسطاء الأمريكيين، ويقبل بنتيجة ملتبسة تسمح للطرفين بتجنب أية تنازلات ذات معنى. وهذا ما يجب عليه عدم فعله، فإن لم يوافق الإسرائيليون والفلسطينيون خلال الأسابيع القليلة القادمة على الالتزام بتنازلات واسعة من أجل السلام، فعليه أن يقبل بالهزيمة ويعطي وقتا أكبر للحروب والانقلابات و»الإرهاب» الذي يجتاح بقية المنطقة، ويبدو أن هذا هو الاحتمال الأكثر قربا من التحقيق، وبهذا، يكون ما حصده كيري، لا يختلف عما حصده غيره من هشيم، إذ أن أي حل يوفر الحد الأدنى من الحقوق العربية في فلسطين، ويجبر الاحتلال على القبول به، متوقف على إحياء خيار المقاومة، وهو الترياق السحري الذي يمكن أن يحقق أي إنجاز يرضي الجيل الحالي من الفلسطينيين، والأجيال القادمة ايضا.