0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

الشيخ مورو يدق جدران «الخزان» الإسلامي !

ما فعلناه بأنفسنا أكبر وأخطر مما فعله الاخرون بنا، هؤلاء لم يطلقوا النار على اقدامنا – وربما رؤوسنا- إلا حين سقطنا على الأرض أو وقعنا في “الحفرة” التي خططوا من أجل ان يدفعونا إليها..  نحن الذين “هيأنا” لهم هذه الفرصة.. وهم  -بالطبع- استغلوها وقاموا بالواجب على –اسوأ” ما يكون.

المقصود، بالطبع، هو نحن –العرب والمسلمين- وتحديدا “الاسلاميين” الفاعلين في المجال السياسي، اما العبارة السابقة فقد نقلتها بتصرف عن الشيخ عبدالفتاح مورو مؤسس حركة النهضة التونسية، وجاءت في سياق محاضرة شارك فيها امس الاول في المنتدى العالمي للوسطية حول “مستقبل العالم العربي” الى جانب الامام الصادق المهدي.

ما ذكره الشيخ مورو كان مجرد “فتحة عداد” لتذكيرنا بان الطريق امام امتنا للنهضة والاستقلال ما زال طويلا، وامام “الاسلاميين” للوصول الى مجتمعاتهم والتصالح معها والى الحكم والتمكين فيه ما زال –ايضا- طويلا، وبالتالي فان ما حصل في الاعوام الثلاثة المنصرمة وهو هدية قدمتها الشعوب للنخب، ولم يكونوا “يحلمون” بها، يتوجب ان يدفعنا لممارسة نقد “الذات” بجرأة وشجاعة، فنحن –كما قال- استسلمنا لنماذج ووقائع وادبيات لم تعد صالحة للاستعمال، وطرحنا –كإسلاميين- شعار “الاسلام هو الحل” دون ان نفهم الاسلام او نستعد للحكم او ان نبدع نظرية سياسية واقعية تتناسب مع واقعنا، واكتفينا “بالدعاء” ظنا منا ان الله تعالى تكفل بنصرنا.. حتى وان بقينا قاعدين.

في هذا السياق النقدي يقول الشيخ ان “الاسلاميين” منذ اكثر من قرن انشغلوا بقضية الحكم واعتبروها قضيتهم الاولى لاقامة الدولة وتمكين الدين لكنهم لم يستعدوا بما يكفي للتعامل مع هذه القضية عمليا، وحين تفاجأوا بوصولهم الى السلطة بفضل ارادة الشعوب لم يتمكنوا من فهم طبيعة الحكم وكيفية ادارة السلطة، فقد سقبهم الاخرون الى “تأثيث” المجتمع فكريا وسياسيا لكنهم اعتقدوا ان لديهم فرصة “لأسلمة” هذا المجتمع، وان مجرد حصولهم على “الشرعية” من الصناديق كفيل “بتمكينهم” في الحكم وهذا بالطبع خطأ كبير لانه لا يمكن فرض “الدين” على المجتمع، كما ان الحصول على “الشرعية” مرتبة اولى تأخذك الى الحكم لكنها لا تضمن لك البقاء والاستمرار فيه، لان البقاء والاستمرار مرتبطان بقدرتك على تلبية مطالب الناس ورفع الظلم عنهم، وحين تعجز عن ذلك فان الذين “سلفوك” الشرعية سيندفعون لسحبها في اسرع وقت.

ومثلما اخطأ الاسلاميون في ادراك معنى “الشرعية” اخطأوا ايضا –كما يرى مورو- في التعامل مع “مستلزمات” الحكم وشروطه ومطالبه، فقد اعتقدوا ان “الغلبة” هي الطريق الى التمكين، وبالتالي لم يتمكنوا من استيعاب “مفاصل الدولة” فتحركت هذه المفاصل ضدهم، واصبحوا  بنظر المجتمع مثل “الجسم” الغريب، والمجتمع هنا -برأي مورو- لا ينحصر في “المتعاطفين” مع الاسلاميين وانما ثمة مجتمع ثقافي اخر فني وثالث اقتصادي واعلامي…. ولدى كل مجتمع رموزه والمؤثرون فيه وحين عجز “الاسلاميون” عن استيعاب هؤلاء في ادارة الدولة وجدوا انفسهم “وحيدين” في مواجهة صراعات انتهت الى اخراجهم من السلطة.

يرى الشيخ مورو –ايضا- ا ن الاسلاميين استعجلوا في الوصول الى الحكم رغم انهم يدركون ما تتركه “الثورات” من فوضى في الدولة وما تفعله من “طمس” للمرجعيات والشرعيات، وما تصنعه –ايضا- في المجتمع من تحولات في القيم والسلوك وهذه “الورطة” فتحت لغيرهم “فرصة” الانقضاض عليهم، وسهلت لخصومهم “بتأجيج” المجتمع ضدهم وكان يمكنهم ان يكتفوا “بالمشاركة في المجالس التأسيسية والبرلمانية التي تضبط ادارة شؤون الدولة دون ان تكون مسؤولة عن ادارة شؤون الناس وحل قضاياهم اليومية التي تراكمت بفعل عقود من الفساد والاستبداد التي لم يكونوا شركاء فيها، اما الآن فبوسع الاسلاميين ان ينسحبوا من “الحكم” بعد ان اكتشفوه وان يعودوا الى “مقاعدهم” وسط المجتمع، وهم –كما يعتقد مورو- لن يخسروا شيئا، على العكس تماما فقد كسبوا “الحرية” التي منعوا منها لعقود، وهذه تكفي لمنحهم فرصة افضل لترتيب اولوياتهم واعادة “تأثيث” مجتمعاتهم ايضا.

خطأ اخر ارتكبه الاسلاميون، وهو اعتقادهم بانهم “مندوبون” لاقامة المشروع الاسلامي واكماله، والصحيح –وفقما يعتقد مورو- ان مهمة انجاز المشروع الاسلامي مجرد وهم، فالمشروع الاسالمي “عابر” للرسالات السماوية كلها، ولا يمكن انجازه الى يوم القيامة، حتى ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم –وهو اخر الانبياء- توفي والمشروع ما زال في بداياته… ومهمة المسلمين هنا هي الاستمرار في وضع “اللبنات” والمداميك وفق الطاقة والاستطاعة.. وبما يتناسب مع الواقع ومع احوال الناس واوضاعهم ومع مستلزمات العصر ايضا.

في اشارتين، عابرتين يعتقد الشيخ مورو ان الحرب في سوريا ستمتد الى سنوات طويلة جدا، وانها ستتحول الى “مستنقع” قد يغرق فيه المسلمون بطوائفهم ومذاهبهم، كما يعتقد ان مصر تشهد حرب “الكل ضد الكل” وان من واجب العقلاء ان يتدخلوا لانقاذ مصر من “محنتها” لان ما يحدث فيها سيؤثر على عالمنا العربي كله، واخيرا يتمنى الشيخ مورو ان نفتح عيوننا على مسألتين: احداهما واقع مجتمعاتنا التي ما تزال “ضعيفة” وهشة، وبحاجة الى الاخر في كل شيء، بحيث لا نندفع الى الانشغال ببناء “طوابقها” العليا دون ان نؤسس لقواعدها الاساسية وخاصة في مجال التعليم والتربية والدعوة، والمسألة الاخرى ضرورة النهوض الى بناء “مرصد” يتولى مهمة “التفكير” والرصد لمعرفة ما يخططه الاخرون لنا وما يريدونه منا… وذلك لكي لا يتكرر وقوعنا في “المصائد” المنصوبة لنا، ولا نحتكم لردود الافعال التي تخرجنا عن طبائعنا.

بقي لدي ملاحظة اخيرة، وهي ان كل الاخطاء التي وقع فيها الاسلاميون مما ذكرها الشيخ مورو وما لم يذكرها  ومما تبدو مفهومة ومشروعة في سياق التجربة البشرية المعرضة للخطأ والصواب لا يمكن ان تبرر وتغطي على “الوجه” الاخر، سواء وجه خصوم الاسلاميين الذين كشفوا اقنعتهم واستماتوا في طرد الاسلاميين واقصائهم وشيطنتهم، او في تشويه “الاسلام”وتشكيك المجتمع فيه او وجه “المجتمعات” العربية الذي كشفته التحولات السياسية بتواضع “وعيه” وامكانياته وبسطحية حالة “التدين” فيه، او وجه الاخر الذي تربص “بالتجربة” الديمقراطية العربية (لا لانها تجربة اسلامية فقط) وقرر عن سابق قصد افشالها واجهاضها، ما اسفرت عنه هذه الوجوه وغيرها من ممارسات ضد الاسلاميين والمجتمعات العربية كان اسوأ بكثير من اخطاء الاسلاميين… ومن خطاياهم ايضا.