سحّاب وجيبة!
كنت للتوّ اجري عمليات إحماء لفكّي المطبقين وعيني المثقلتين بالنعاس عندما سمعت باب البيت قد فتح بحدود الساعة التاسعة صباحاً…لقد عاد ابني – صف أول ابتدائي – من مدرسته الحكومية بعد ان قاموا بإجراء امتحانٍ شكلي للغته العربية التي يلثغ عل الأقل بحرفين من حروفها: “ألراء والسين”..
أنزل حقيبته عن ظهره ، خلع حذاءه ، ثم جاء ليبشّرني:
• – “شوف شو أعطونا”؟؟..
• سألته: كيف كان الامتحان؟
• لم يجبني وعاد ليكمل فرحته: بعد ما خلّصت امتحان قال لي الأستاذ :خذ هديتك من عند المدير!!
• أنا : ولك كيف كان الامتحان؟
• الولد: لدّ الها سحاب وفيها جيبة؟…
تفحّصت الهدية عبارة عن حقيبة مدرسية زرقاء فاتحة اللون مكتوب عليها ( unicef) وشعار الأمم المتّحدة مطبوع بجلاء عليها..ثم صحصحت تماماً عندما رأيت العلم الأمريكي بمنتصف الحقيبة وبمساحة كبيرة جداً…طيب إذا كانت هذه الحقيبة مهداة من الأمم المتّحدة ما علاقة العلم الأمريكي فيها؟؟ ثم حللتها بيني وبين نفسي، قلت ربما ان الحكومة الأمريكية تبرّعت بقيمة الحقائب واشترطت وضع علم الولايات المتّحدة عليها ليتبارك الصغار بصنائعها!!..
قد يكون موضوعاً عادياً..لكن لا أدري لماذا شعرت بحزن وخوف في آن معاً…أولاً لماذا يوزّعون على أولادنا حقائب من الأمم المتّحدة أسوة بالشعوب المنكوبة؟ ..ثانياً كيف سيكون شعور الطفل عندما ينشد أغاني للوطن وللدرك ، ويقرأ في كتاب الاجتماعيات عن العاصمة عمان والرمثا والكرك، وعليه في الامتحان أن يحفظ بالترتيب ألوان العلم الأردني ويتبّع لصور رموز النظام الأردني ثم يعود في آخر النهار بحقيبة عليها العلم الأمريكي؟؟ ترى مع أي وطنٍ فيهما سيركز والى أي وطن فيهما سيميل قلبه؟..خوفي أن يترّبى على الطاعة الأمريكية ، والحب لهذه الدولة التي أعطته حقيبة يضعها على ظهره..بينما دولته الحقيقية لم تضع على ظهره سوى مديونية ثقيلة..بالمناسبة قبل شهر تقريباً أعطوه فرشاة أسنان ومعجون وصابونة وبشكير مهداة من الحكومة اليابانية، وكان يصرّ يومياً أن ينيّم هذه الأشياء في فراشه لأنها هدية من المدرسة!!…
أشعر بخوف شديد كلما شاهدت شعار الأمم المتّحدة على أرضنا: قبل نصف قرنٍ أخذوا فلسطين وأعطونا كيس طحين…ثم أخذوا العراق وأعطونا “معلبّات سردين”..وأخذوا سورياً وأعطونا خيمة لجوء ..ترى ماذا سيأخذون بهذه الحقيبة الزرقاء ؟؟
بنرجع بنقول: أهم اشي الها سحّاب وجيبة!!..
احمد حسن الزعبي