0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

اغتيال شطح … الجريمة والسياق

قبل أن تجف دماء الوزير الأسبق محمد شطح، كان الحريري وتيار المستقبل وتحالف 14 آذار، يوجهون أصابع الاتهام إلى حزب الله وسوريا (واستتباعاً إيران)، وبخطاب لا يخلو من “نبرة” التحريض والتحشيد والتعبئة، وفي محاولة بدا كم هي مستعجلة على “الاستثمار” في دماء الشهيد، حين طرح بعض أركان هذه التحالف مقايضة بائسة من نوع: دماء الرجل مقابل حقائب سيادية في حكومة تشكلها 14 آذار؟!

الاتهام سياسي بامتياز، فلا أحد جمع بيانات أو رفع بصمات أو عرض أدلة، وما من جهة أعلنت مسؤوليتها عن الحادث … ولم يحل مساء ذاك اليوم اللبناني المشؤوم، حتى كانت صحف بيروت تنشر على مواقعها معلومات هامة وعاجلة، عن السيارة المسروقة المستخدمة في الانفجار، وصلاتها بفتح الإسلام وسجناء في “رومية” وعن مرورها بمخيم عين الحلوة … هنا تتجه الأنظار لحزب الله والضاحية، وهناك تشير أصابع الاتهام للسلفية الجهادية بمسمياتها المختلفة ومعاقلها الموزعة على مختلف مناطق لبنان ومخيماته.

اللبنانيون كدأبهم، انقسموا حول السياق الذي سيدرجون فيه، عملية ستاركو الإجرامية … فريق 14 آذار، أدرجها في سياق الاغتيالات المتسلسلة التي بدأت برفيق الحريري، فيما تحالف 8 آذار وضعها في سياق العمليات التي استهدفت الضاحية الجنوبية وقرى الهرمل واغتيال القيادي في حزب الله حسان اللقيس وتفجير السفارة الإيرانية وتفجيرات طرابلس.

السياق الأول، يشير إلى مسؤولية النظام السوري وحزب الله وداعميه، عن العمليات، وهذا ما دفع الحريري لاتهام “قاتل أبي” بقتل شطح، وهذا هو السبب الذي دفع بفؤاد السنيورة لتعريف القاتل من دون أن يسميه، وعلى طريقة السيدة فيروز: “سمى الجيرة وسمى الحيّ ولولا شوية سمّاني”، والطلب باسم هذا الفريق، بإضافة القضية إلى ملف المحكمة الدولية.

السياق الثاني، يشير حكماً إلى “السلفية الجهادية”، من داعش وفتح والإسلام مروراً بالنصرة وكتائب عبد الله عزام، وهي منظمات تنهل من معين واحد، وقد سبق لها وأن تبنت عمليات إرهابية ضد حزب الله وبيئة الحاضنة في البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، فضلاً عن استهداف السفارة الإيرانية في بيروت.

الاتهام السياسي ليس جديداً على لبنان واللبنانيين، فريق 8 آذار نسب الأعمال الإجرامية التي تعرضت لها مناطقه إلى “البيئة الحاضنة للإرهاب” والمتمثلة في مواقف 14 آذار أو بعضاً من مكوناته، وبلغ الاتهام السياسي حداً مباشراً من خلال اتهام السعودية رسمياً من قبل حزب الله، بتفجير السفارة الإيرانية في بيروت، ودائما من دون أدلة أو براهين، وهذا ما يفعله اليوم فريق 14 آذار، الذي فكّر طويلاً في كيفية “استثمار” جريمة اغتيال محمد شطح، قبل أن يتفحص للحظة واحدة، أداة الجريمة ومسرحها والمتورطين فيها تخطيطاً وأوامر وتنفيذا، ومن هو المستفيد ومن هو المتضرر من جراء ارتكابها.

شطح، كان سياسياً بارزاً في 14 آذار، وهو محسوب على الخط الوسطي المنفتح على الحوار في أوساطها، بيد أن الرجل لم يكن عنصراً محوراً في هذا الائتلاف، وبغيابه لن يسقط عاموداً من خيمة الرابع عشر من آذار، وأحسب أن الذين تورطوا في جريمة اغتياله، ما كانوا يتطلعون لإلحاق ضربة قاصمة الظهر لهذا الائتلاف، وإنما سعوا في تأجيج الوضع المتوتر في لبنان، وإذكاء الاستقطابات والانقسامات المذهبية، فاغتيال الرجل، ابن طرابلس المتفتحة جروحها على مختلف أنواع الفايروسات والبكتيريا، يمكن أن يبُقي ملف الفوضى المذهبية مفتوحاً على شتى الاحتمالات، ويمكن أن يُعقد محاولة تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات الرئاسية، وإضعاف الدولة وإلحاق لبنان بساحة الصراع الأكبر: سوريا.

مثل هذا الهدف، يتصدر قائمة أهداف وأولويات الجماعات الجهادية وداعميها الإقليميين والعرب، الذي فقدوا رشدهم في الأشهر الأخيرة، وقرروا الذهاب في المعركة “وحدهم” إن اقتضى الأمر، حتى وإن أدى ذلك إلى حرق لبنان وسوريا على حد سواء، فهؤلاء مستعدون على ما يبدو، للقتال حتى آخر لبناني أو سوري.

ليس هذا “صك براءة” للمحور الآخر من دماء شطح، فالجنون يكاد يطبق على الجميع في لبنان وسوريا، بيد أنه محاولة لوضع الجريمة في سياقها السياسي اللبناني والإقليمي، وهو سياق مغمس بدماء شطح واللقيس وأبناء طرابلس والضاحية الجنوبية … سياق الفتنة الكبرى، التي يسعى البعض في إذكائها وإدامتها، طالما كانت تخدم أهدافه الضيقة في السلطة والحكم وأحلامه المريضة في زعامة الإقليم والأمتين العربية والإسلامية.