القدس الشريف!
لا تسمع توصيفا في الدنيا أجمل من توصيف القدس بـ»القدس الشريف»، والمدينة لمن يعرفها أخّاذة، ينطبع على روحك من روحها، وكل حجر فيها له حكاية.
القدس الشريف من حيث التعبير السياسي يراد حصرها بمنطقة المسجد الأقصى فقط، وكأنه يقال إن القدس هي منطقة المسجد، هذا على الرغم من أن تعبير «القدس الشريف» ينطبق على المسجد وكل المنطقة التي حوله، وفي القرآن توصيف للبركة الممتدة حوله وحواليه.
إذ تقرأ لكثيرين ممن يتحدثون عن علامات الفتن والملاحم، وبعضهم يقول إن هدم المسجد الاقصى إحدى العلامات المنتظرة، وكأن هؤلاء -بحسن نية أو سوء نية- يريدون أن يقولوا إن هدم المسجد قدر رباني لابد أن يتم، وإن هدم المسجد علامة من علامات القيامة واقتراب الآخرة، ولايوجد سند لتلك الحكايات، سوى أقوال من هنا أو هناك، باعتبار أن الهدم مقدمة لنهضة المسلمين وسبب في تحرير الاقصى المهدوم في النتيجة!.
إذا أردنا أن نقف عند تلك الغيبيات، فهي تخدم الاحتلال من حيث يعلم أصحابها، أو يجهلون، لأن حسم الهدم -كعلامة منتظرة- يقول للناس في وعيهم الباطني: لماذا تدافعون عن المسجد الذي لابد أن يتم هدمه، ولماذا تتعبون أمام سيناريو سماوي مرسوم بدقة؟!
بعضهم يقول بذات الطريقة إن هذه اقدار لايمكن مقاومتها، مثل هدم المسجد واقامة هيكل سليمان على انقاضه، وإن الهدم في النتيجة بشرى للمسلمين، لأنه سيقربهم من النهايات المنتظرة، ولم يبق إلا أن تتم مطالبتنا بأعمال الحفريات والهدم!.
قيل إن من يحكم القدس يحكم العالم، وهذا صحيح بالمناسبة، لأن المسلمين اذ حكموها بعد الفتح الاسلامي، امتدوا في كل الدنيا، فيما الحملات الغربية إذ احتلت القدس كانت ُتعنون نفوذها بهذه الدرة المقدسة.
الوقت ذاته يشهد على احتلال اليهود للقدس ونفوذهم في العالم، ولا أحد يعرف سر الرابط بين حكم القدس وحكم العالم، غير أن هناك رابطا خفيا، تتضح تفاصيله بشكل واضح في حالات كثيرة، وكأنها مفتاح الدنيا، وبوابتها.
القدس الشريف بدون الناس ايضا مجرد مكان اثري، وهذه الأيام تشتد موجات التهويد للمدينة المحتلة، ومعها يتم ترك المقدسيين في فقر وبطالة، بيوتهم تخضع لغرامات مالية، ولا تجد مالا عربيا من كل هذا المال يتم دفعه ولو لتسديد تلك الغرامات، ولا لإدامة مؤسسات القدس العربية، من تعليم وصحة.
واقع الحال يشي بمخاطر كبيرة في هذا التوقيت، ويتجلى الخطر بموجات الاقتحام للحرم القدسي يوميا، وهي دعوة هنا لمبادرة من اجل القدس مدينة وسكانا، بشكل يتجاوز حصر الدعم في الاقصى والحرم القدسي، عبر تثبيت السوار البشري المحيط بالأقصى، لأن هؤلاء حماة المسجد.
القدس الشريف.. رده الله من غربته.