بارودة "فليّح"
على وهج النار التي تبرق على الوجوه ، وصوت ورائحة القهوة التي تتحمص في “المحماسة” دبّت الشجاعة والفروسية في قلب “فليّح” ابن الشيخ الأكبر فجأة، فطلب من بعض رجال العشيرة -على مسمع والده – أن يرافقوه في رحلة صيد في الصباح الباكر مشترطاً عليهم الاّ يحضروا سوى قربة ماء فقط ، فالطعام الذي سيتناولونه لا ولن يكون إلا من صيد بارودته ..
قبل الرجال على مضض طلب “فليّح” إكراما لوالده ، ولأنهم يعرفون قدراته جيّداً ويعرفوا أنّ نظره “كبّاسي” قليلاً؛ أي أنه يرى ألأشياء أشباهاً…فقد احتاطوا على زوّادتهم المكوّنة من لبن وشنينة كما أخذوا معهم فرخ “حجل حيّ” ليجبروا خاطر “فليّح” إن لم يتمكن من صيد أيٍ من كائنات البراري الحلال…
وبالفعل انتصف النهار وفليّح “يشوطح” في بارودته يميناً ويساراً دون أن يطلق طلقة واحدة..فاتفق الرجال أن يضعوا له فرخ الحجل على مسافة قريبة ويربطوا رجلي الطائر بصخرة كي يتمكن ابن الشيخ من اصطياده.. بعد ثوانٍ صاح احد المرافقين – وفق الخطة – قائلا: “شيخ فليّح..شيخ فليح..دونك الحجل”..وبدأ فليح يرمي الرصاصة تلو الرصاصة حتى فتت الصخر الذي يحيط بالمكان كله دون أن تقترب رصاصة واحدة من رأس الطير الذي يبعد عنه مترين ونصف فقط…
قام أحدهم من الغل وإحماء لوجه الشيخ ف”مصع” رأس الطائر بيده ، ثم تحايل المرافقون على “فليّح” واقنعوه أنه اصطاد الطير بكفاءة واقتدار.. سرّ الشيخ وبدأوا يشوون الطير الصغير عل حطبتين، بينما شرعوا هم بتغميس اللبن وشرب الشنينة بقهر ممزوج بغلٍ…
أثناء الغداء زعق باشق في السماء..انتبه فليّح للصوت سائلاً وهو ينظر إلى جهة مغايرة : “باشق ولا صقر”؟؟ قالوا له: باشق يا شيخ باشق…فاستند وقال : بالكو بتجيبه “بارودة فليّح”…فــ”قبّعت مع أحدهم”..وصاح: اقعد اعوج واحكي مليح يا فليّح….حجل قد اللقمة..عن بعد مترين ما عرفت تصيده..بدك تصيد باشق بالسما ..!!..
***
وعلى طريقة الشيخ فليّح..تم تعديل قانون مكافحة الفساد..حيث أصبح مشروع هذا القانون –ولله الحمد- يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن أربعة اشهر أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار ولا تزيد عن خمسة آلاف دينار بحق كل من توافرت لديه أدلة عن وجود فساد ولم يقم بالإبلاغ عنها للهيئة أو للسلطات المختصة …
اذا المربوط لم تحاسبوه حتى تحاسبوا الفالت…لقد سلمناكم الفاسد بالقرائن والأدلّة ، وبعضهم تجرأ وحرق وأتلف كل ما يدينه على مرأى ومسمع السلطات الرسمية ، ومع ذلك برّأتم البعض و”هرّبتم” البعض الآخر مع سبق الإصرار والترصّد… والآن تريدون .. بارودة فليّح.. تجيبه؟؟