ألا ليت المشيخ يعود يوما
على ذمة ال «بي بي سي» فقد قال علماء من كلية الطب بجامعة هارفارد، أنهم نجحوا في تجربة تماثل العمل على تجديد عمر عضلات إنسان في عمر الستين وإعادتها لما كانت عليه في عمر العشرين.و تمكن العلماء من إعادة الشباب في أنسجة (فئران تجارب) تقدمت بالسن بعد زيادة معدلات مادة كيميائية يطلقُ عليها اسم (إن إيه دي). انتهى الاقتباس.
يعني هذا أنني بعد ثلاث سنوات سوف اتمكن من استعادة لياقتي الجسدية عندما كنت في سن العشرين، وسوف أعود الى سن الشباب من اجل أن أخبر شبابي ما فعل المشيب بي ، تنفيذا بالإنابة لأمنية الشاعر العربي الكبير» أبو الطيب المتنبي، الذي تمنى قائلا:
الا ليت الشباب يـــــعود يومــــــا لأخبره بمـــــا فعل المــــشيب
وهناك سوف اكتشف بأن هذه العودة المفاجئة الى سن الشباب سوف توقعني في العديد من التعقيدات التي لم اتنبه لها خلال فرحتي بالريعان الجديد الذي حظيت به. ولعل أولها هي المشكلة «الطرماء « مع أم العيال التي دخلت سن الخمسين بينما عدت أنا الى العشرين ..يعني صرت أصغر من اكبر أبنائي بسنتين !!
فماذا اعمل أنا مع هذه «الختيارة» التي تدعى زوجتي، وأنا اصغر من أكبر أبنائها؟؟؟؟ وماذا تفعل هي مع هذا الشاب الصغير الأهوج؟. وهذه قضية لم يناقش حيثياتها أي فقه ديني، سماوي أو ارضي ، وهل يجوز الطلاق بدون دفع النفقة ؟ على اعتبار انني صغير في السن وأنوي تكوين نفسي ، وليس من العدل توريطي بدفع الاف الدنانير في مطلع حياتي . اضافة الى تعقيدات متنوعة اخرى لا مجال الى ذكرها هنا، منعا للتشطيب.
لنفترض انني تجاوزت التعقيدات الاجتماعية بما فيها زوجتي وأصدقائي الختيارية ، فقد تذكرت بأن هذه العودة الى الشباب ذات علاقة بتجديد خلايا العضلات وليس بالدماغ أو بالأجهزة الداخلية معدومة أو قليلة العضلات التي سوف تشيخ معي وأنا في ريعان الشباب، وعلى رأسها الدماغ والغدد الصماء والعمياء وغيرها .
وبناء عليه ، فهنالك احتمال كبير بأن أصاب بضغط الدم في الثانية والعشرين وبالسكري في الخامسة والعشرين، وبضمور الغدة الدرقية في السابعة والعشرين، ويتم نزع البروستاتا في الثامنة والعشرين. ولن أصل الى سن الثلاثين الا وأكون قد اصبت بعدة جلطات وامتلأت شراييني بالشبكيات . وربما أكون قد تعرضت للفالج (يقول المثل الشعبي: فالج لا تعالج)، الذي يسمى بالعربية الفصحى، الشلل النصفي، في الخامسة والثلاثين.
أما في الأربعين من عمري الجديد(ثمانون بالحسبة القديمة) فأكون قد أودعت ثلثي أصدقائي القدامى في المقابر، على الأقل، لكنني أنسى ذلك ، لأني قد اكون وصلت الى مرحلة متقدمة من خرف الشيخوخة، وربما أصابني مرض(الزهايمر) في الخامسة والأربعين ، وتم ايداعي في ملجأ للعجزة في سن الخمسين (التسعون سابقا)، هذا اذا افترضنا أنني لم أكون قد هلكت قبل ذلك بكثير.
بمعني، أنني احمل الى سن العشرين كافة أوجاع الشيخوخة وأمراضها وتعقيداتها الجسدية والنفسية. فلا داعي اذا لهذه العملية المكلفة ، وقد تذكرت الان أنني لا استطيع اصلا أن ادفع تكاليفها المرتفعة، التي تحتاج الى مليونير على الأقل ، وهي بالتأكيد غير مشمولة بالتأمين الصحي المتواضع الذي تقدمه لي نقابة الصحفيين الأردنيين .
ها قد عدت الى ما قبل الثامنة والخمسين بقليل شيخا شابا ، أو شابا شيخا لا فرق، قبل أن أقلب بيت المتنبي لأقول:
الا ليت المشيــــخ يعود يومــا
لأخبره بما صنع الشبــــــاب