الرئيس في بغداد..ليست كسابقاتها!
يزور رئيس الحكومة العاصمة العراقية بغداد،وهذه الزيارة ليست الاولى من نوعها،اذ زار بغداد عدد من رؤساء الحكومات الاردنية،منذ عام الفين وثلاثة.
القراءة السياسية تحوي مبالغة من البعض،وتُحمّل الزيارة فوق ماتحتمل،لان مراقبين يعتقدون ان الاردن يريد فتح بوابة بغداد بشكل اوسع،باعتبارها قادرة على التوطئة لمصالح الاردن بعد التحولات الجديدة في المنطقة،اي صفقة الكيماوي مع دمشق،وصفقة النووي مع طهران.
المخاوف من تعميد معسكر دول الهلال الشيعي،والتسليم بنفوذها في المنطقة،تجعل الاردن امام اعادة تموضع في علاقته الباردة مع هذا المعسكر،والمدخل سيكون عبر بغداد التي تتوسط في العلاقة مع الايرانيين والسوريين،ولان علاقة عمان مع بغداد اقل تضررا قياسا بعواصم اخرى في الاقليم.
غير ان الوجه السياسي الآخر لهذه القراءة السياسية لايميل الى هذا الرأي ابداً ويقول ان الاردن ينظر الى علاقته مع العراقيين من زاوية اخرى تماما على الرغم من معرفته بتأثر بغداد بهذه الحسابات ولربما يميل الاردن الى احماء علاقته السياسية مع بغداد،في محاولة لتقريب العراق نحو المعسكر العربي الآخر،حتى لايتم الاستفراد بالعراق في معادلة معسكر دول الهلال الشيعي،بعد الذي استجد،لان الفراغ لايمكن ان يبقى متروكا،وسيبقى متاحا للايرانيين والاتراك وغيرهم،وهذه القراءة الاعمق في مركز القرار،لاتخبرك عن احتمالات النجاح والفشل،في هكذا حالة،خصوصا،ان الاردن ليس اللاعب الوحيد في المنطقة.
هذا الدور ومن ناحية تحليلية بإمكان دول عربية اخرى وكبرى ان تقوم به،لكنها تتخلى عنه لحساباتها،ولا احد يعرف عبر هذه القراءة اذا ماكان الاردن يمثل نفسه في هذا المسعى،ام يمثل خطا اكبر،ومعسكرا اوسع،ولو عبر لحظة استكشاف نادرة؟!.
القراءة الاقتصادية للزيارة،فهي كما هو معلن تتعلق بأنبوب النفط العراقي،الذي قدم عرضه رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي،قبل شهور،وآنذاك تم الظن-وبعض الظن اثم- ان العرض يأتي لمغازلة الاردن باعتبار ان الانبوب سيمر من مناطق غرب العراق اليه،في سياق السعي لجعل الاردن يضغط من اجل عدم تمرد مناطق غرب العراق السنية ضد الحكومة المركزية،حرصا على مصالحه الاقتصادية التي تمر من تلك المنطقة،خصوصا،ان للاردن علاقات نافذة عشائريا وسياسيا وامنيا في تلك المناطق مع اسماء كثيرة.
في كل الحالات بقيت التأويلات هي الغالبة،غير ان قصة انبوب النفط لا تنفصل عن قضايا اقتصادية اخرى ترتبط بهذه الزيارة مثل استثمارات العراقيين في الاردن،وتأشيرات دخولهم،واقاماتهم،بالاضافة الى قضايا فرعية اخرى،كالتصدير والاستيراد.
الزيارة مهمة جدا،ولابد من تحسين العلاقات مع العراقيين،فهم الجار الشرقي اولا،بمعزل حتى عن فكرة المصالح الاقتصادية،ولايمكن ان يتم عزل الاردن جراء التيارات التي تتباكى على عراق ماقبل عام الفين وثلاثة،فالواقع تغير كثيرا،ولايمكن نحر بلد مثل الاردن،تحت وطأة اعتقاد العراقيين انه محسوب على حقبة صدام حسين،ولاتحت وطأة تأكيدات يصر عليها سياسيون وفعاليات مختلفة هنا،تريد عنونته تحت هذا العنوان.
غير ان السؤال اللافت للانتباه: كم يمكن للعراق الحالي ان يعطيك اقتصاديا،بمعزل عن تجاوبك معه سياسيا،وهل تجاوبك معه سياسيا،ينحصر به فعليا،ام يرتبط بمعادلته الاهم،اي تمركزه وسط معسكر دول الهلال الشيعي،وتمثيله لهذا المعسكر،والاجابة على السؤال مهمة،لان الفصل بين الاقتصاد والسياسة هنا،فصل ساذج وسطحي،وحتى يرتفع مستوى العلاقات الاقتصادية مع بغداد،فإن الثمن في الاغلب سيكون سياسيا؟!.
الخلاصة: زيارة الرئيس الى بغداد في هذا التوقيت تختلف عن سابقاتها