الجولة العاشرة و«اتفاق الإطار»
يبدو أن الوسيط الأميركي جون كيري، يتجه لفرض “اتفاق إطار” على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، يمهد للتمديد للمفاوضات المباشرة سنة أخرى على أقل تقدير، وفقاً لما صرح به صائب عريقات “كبير المفاوضين الأبدي”، وقد تكون الجولة العاشرة للوزير الأميركي، نقطة تحوّل جديدة في تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
ومن الواضح تماماً، أن “الاتفاق” الجديد في حال تمريره، يخدم بكل وضوح مصالح إسرائيل وحساباتها وهواجسها الأمنية، الصحيح منها و”المفبرك”، أما في خص حقوق شعب فلسطين الثابتة، فإن الاتفاق الذي سيسقط بعضها، سيتطرق لبعضها الآخر، بلغة عمومية، حمّالة أوجه، وقابلة للتفسير وإعادة التفسير، في ضوء التطورات على الأرض، كما عبّر عن ذلك، غير مسؤول فلسطيني.
لا نريد أن “نستبق البلاء قبل وقوعه”، لكن تلك آثارنا تدل علينا، فانظروا من بعدنا إلى الآثار … وآثار مهمة كيري ترتسم في خطته الأمنية، التي تكرس تأبيد الاحتلال الإسرائيلي للغور والمرتفعات والمعابر والحدود، وتجعل من أي دولة فلسطينية منتظرة، سجناً كبيراً، لا يختلف بحال، عن السجن الكبير الذي يُحتجز فيه سكان الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام النكسة وحتى اليوم.
وثمة ما يشير إلى إصرار كيري على تبني وجهة نظر نتنياهو واليمين المتطرف، حول “يهودية الدولة”، وإرجاء البحث النهائي في ملفي القدس واللاجئين، كما تشير تسريبات عدة؛ ما يعني أن “اتفاق الإطار” سيحفظ “حقوق” إسرائيل من دون انتقاص، وبكل ما تحتاجه من لغة القطع والحزم والوضوح، إما فيما خص حقوق الفلسطينيين، فالمسائل دائماً، غائمة وعائمة ومعومة، وقد يستعير “أوسلو 2” لغة الغموض “البناء” من “أوسلو 1”
الصورة تبدو ضبابية بعض الشيء … ثمة “نبرة” من داخل السلطة تشي بميل واضح للمساومة والتساوق مع كيري ومبادرته … وهي نبرة تغذيها ضغوط بعض العواصم العربية على الجانب الفلسطيني … لكننا نسمع من بعض أوساط السلطة، كلاماً مغايراً، يتحدث عن “مخطط” و”محاولة” لتسويق الاحتلال وتبرير استدامته، وهو أمر لن يقبله أي فلسطيني في السلطة وخارجها، نأمل أن يترجم إلى “موقف ووقفة”، لا للتاريخ فحسب، بل وللمستقبل كذلك.
مرة أخرى “الماء يكذب الغطاس”، وأن التاسع والعشرين من الشهر الجاري لناظره قريب … وسوف تتبدد قريباً ثلوج عاصفة كيري ليظهر ما تحتها، مع أننا بتنا والحق، نقلق تماماً من مغبة انجراف الجانب الفلسطيني للقبول بمبادرة كيري واشتراطاته الثقيلة، وثمة دواعٍ القلق، منها ما نطق به عريقات في العلن بشكل خاص، ومنها ما يتردد في السر على ألسنة بعض المسؤولين الفلسطينيين.
يقول الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن أي اتفاق يتوصل إليه مع الجانب الإسرائيلي، سوف يعرض على الشعب الفلسطيني في استفتاء عام، يشمل أهل الضفة والقطاع والمهاجر … حتى الآن يبدو “المقترح” ديمقراطياً وتشاركياً، وهذا جيد … لكن الأصل، ألا يقبل الرئيس عباس ابتداءً بأي اتفاق ينتقص من “الحدود الدنيا” لحقوق شعبه الوطنية، كما أقرتها مجالسه الوطنية وقراراته هيئاته الوطنية ومقررات إجماعه الوطني، وأهمها حق العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
المهم، ألا يكرر الجانب الفلسطيني تجربة “أوسلو زائد”، فنعود لاتفاقات إطار وحلول مؤقتة وانتقالية، لكأن 20 عاماً من تجريب المجرب لا تكفي لتعلم الدرس القاسي والمرير … يبدو أن عطباً أصاب صلابة المفاوض الفلسطيني حول هذه النقطة بالذات، ولقد رأينا من يروّج لتمديد المفاوضات و”اتفاق الإطار” بوصفه خياراً قابلاً للأخذ به فلسطينياً.
مقررات وزراء الخارجية العرب، تدفع بهذا الاتجاه، الكثير من الانتقادات للموقفين الأميركي والإسرائيلي جرى تداولها في القاهرة، بيد أنها لم تصدر في البيان الختامي الصادر عن الاجتماع … وثمة قرارات ومطالب اعتاد الوزراء على اتخاذ ما يشبهها في اجتماعات سابقة، من دون أن تعني شيئاً، من نوع: تكليف لجنة للاجتماع بالوزير الأميركي، والتأكيد على مبادرة السلام العربية … والحقيقة أن الأهم من الاجتماع مع كيري هو ماذا سيقال له، ألم يصادق الوزراء أنفسهم على مبدأ تبادل الأراضي في لقائهم مع كيري، مجاناً وكعربون صداقة، لحفزه على امتطاء موجتهم حيال سوريا؟ … كم مرة جرى التشديد فيها على مبادرة السلام العربية منذ إقرارها في 2002، وهل أفلح ركام القرارات الوزارية في بث بعض الروح في عروق المبادرة المتيبسة؟
يبدو أن أسبوعاً واحداً فقط، بات يفصلنا عن واحد من أهم المفاصل والمنحنيات التي تواجه مسيرة الشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل الحرية والاستقلال … وحتى ذلك الحين، سنبقي أيدينا على قلوبنا.