نهاية «الجيش الحر»
أسبوعٌ من الأخبار السيئة عن “الجيش السوري الحر”، بدأ بطرد مقاتليه من منطقة باب الهوى وجوارها، وسيطرة الجبهة الإسلامية على مستودعاته ومقراته، ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة الفتاكة وغير الفتاكة التي تراكمت في مستودعاته من شتى دول المنشأ والمصدر … مروراً بفرار رئيس المجلس العسكري إلى تركيا ومن ثم إلى قطر، قبل أن تفلح الوساطات الأمريكية – القطرية في تثبيت الرجل على أقدامه من جديد، وإعادته إلى الشطر التركي من الحدود مع سوريا على أبعد تقدير … وانتهاء بأنباء مؤكدة عن هرب رئيس أركان الجيش الحر اللواء مصطفي الشيخ إلى السويد، ونجاحه في الحصول على “لجوء إنساني” هناك، وهو الرجل الذي أثار نبأ انشقاقه عن الجيش النظام، حالة من الاستنفار الشديد في أوساط المعارضة باعتباره مؤشراً على قرب انهيار المؤسسة العسكرية السورية.
تزامن نشر هذه الأنباء، مع تسريب تقارير غربية تؤكد تراجع عديد الجيش إلى ما دون الأربعين ألف مقاتل بعد أن كانت التقديرات بشأنه، تصل به إلى ما بين 120 – 170 ألف مقاتل، إثر تتالي الانشقاقات عن صفوفه، تارة لصالح جبهة النصرة وداعش وغيرهما من الفصائل المسلحة، وأخرى لصالح النظام والعودة إلى “بيت الطاعة”، عودة الابن الضال… أما من آثر منهم الاحتفاظ بما تبقى لديه من عقل وكرامة، فقد انسحب نهائياً من العمل المسلح، وبحث لنفسه عن حلول شخصية تكفل امنه ومستقبل عائلته.
ترتب على ذلك أن علّقت واشنطن ولندن دعمها العسكري (غير الفتاك) للجيش الحر، بعد أن رأى جواسيس هاتين العاصمتين على الأرض السورية، رؤيا العين، حاملات الجنود الأمريكية والعربات المصفحة والمناظير الليلية والمواد الطبية والغذائية المخصصة لاستخدام “المارينز” تقع بأيدي المجاهدين، وتحمل الرايات السوداء المطرزة بعبارات: لا إله إلا الله … محمد رسول الله”، وقد عُدّ قرار العاصمتين الكبريين، ضربة نجلاء للجيش الذي كان حرا، قبل أن يسقط في أوحال حروب الاستخبارات والمجاهدين وأجندات دول الإقليم والعالم.
هذه التطورات، دفعت تشاك هيغل إلى ضرب أخماسه بأسداسه، متسائلاً عمّا يمكن فعله، تاركاً الأمر لمشاورات لاحقة مع الحلفاء والجنرال إدريس الذي يصح فيه القول: “من أول غزواته كسر عصاته”، فالرجل ليس فيه من هيئة الجنرالات، سوى نظارته السوداء وهندامه الفاخر وسيجاره الكوبي وحركاته “الطاووسية” في قاعات فنادق الخمسة نجوم … كما أن هذه التطورات، دفعت بمايكل هايدن، الرئيس السابق للاستخبارات الأمريكية للقول إن بقاء الأسد هو أحسن ثلاثة سيناريوهات سيئة تنتظر سوريا وترسم ملامح مستقبلها.
والحقيقة أن واشنطن كانت شرعت منذ عدة أشهر في تحضير نفسها للتعامل مع سيناريو ما بعد انهيار الجيش الحر والائتلاف الوطني، وقد خاض سفيرها روبرت فورد في حوارات جادة مع ممثلين عن “الجبهة الإسلامية” التي تضم 8 – 10 من أكبر الفصائل المسلحة، ذات المرجعية السلفية والإخوانية، وليس من بينها داعش أو جبهة النصرة، وقد جاء القرار الأمريكي على خلفية إدراك واشنطن لبؤس الحال الذي بلغته “المعارضة المعتدلة” وسقوطها كفرس رهان للوصول إلى قصر المهاجرين.
الصراع يتجه لأن يكون ثنائي القطبية، من جهة النظام وجبهة داعميه وحلفائه والمتعاطفين معه والكارهين لخصومه، ومن جهة ثانية، القاعدة والسلفية الجهادية بمدارسها وأسمائها المختلفة، ومن يقف خلفهم من شبكات وأجهزة مخابرات عربية وإقليمية … وهو صراع سينتهي لا محالة لصالح النظام، وإن بعد حين، وربما لهذا السبب بالذات، لم يدرج مايكل هايدن، احتمال فوز السلفيين من بين السيناريوهات الثلاثة السيئة على حد وصفه.
هي نهاية فصل أسود، وبداية فصول أكثر اسوداداً – ربما – في الحرب الدائرة في سوريا وعليها … حرب خرجت منها قوى الشعب السوري وفصائله الوطنية والديمقراطية … حرب لا مكان فيها “للمعتدلين”، لا على ضفة المعارضة ولا على جبهة النظام… حرب باتت الكلمة الفصل فيها للمليشيات المذهبية، المعارضة تقاتل بميليشيات سلفية وأصولية، والنظام يدعّم “انتصاراته” ويحرسها بمليشيات مذهبية كذلك … أما الأمل الوحيد المتبقي للسوريين، فمكانه في “جنيف 2”، إن قُدّر له أن يرى النور، وأن يحرز تقدماً على طريق استرداد الوعي والضمير.