وجه العشق
ظلت أمي تردد جملتها المشهورة التي تستدّل بها على كسلي و “قلّة خواصي” و ضعف مهارتي اليدوية ” والله يمه لولا هالكتابة كان زمان متت من الجوع”..خصوصاً عندما تراقبني وأنا أخرج لساني عند إصلاح فيش الكهربا أو العض على “براطمي” أثناء تبديل زجاجة “نيون” مكان أخرى، وكذلك عندما أزعجها “بمخابطة مفتاح الغاز” بهيكل الصوبة فآخذ وقتاً أكثر من اللازم في تبديل جرة الغاز التي في غرفتها..
كنت أدرك قيمة هذه المقولة لاعترافي الضمني بكسلي ..لكن مع اشتداد المنخفض الجوي وازدياد هطول الأمطار أمس واليوم.. أدركت أنه “لولا الكتابة لمتّ من البرد” أيضا..فبمثل هذه الأجواء،اعتذر عن كل مواعيدي وألغي جميع ارتباطاتي ..واعقد قراني على إبريق شاي بميرمية ،ابحث عن وردة الجزائرية في جوجل اختار “في يوم وليلة” أضعها بصوت منخفض ،أفتح الستائر عن وجه العشق، أراقب من فرشتي تشابك السروة المائلة مع أغصان شجرة التوت..انظر إلى السماء والى حيط الجيران إذا كان المطر قد مسح كلمة “حمودة” المكتوبة بالطبشور ام لا..اقترب من النافذة فأكتشف أن هيكل بسكليتة “حمزة” غارق في مستنقع بين الشجرتين، تطوف حوله أوراق التوت وأكواز السرو العائمة ، على اليسار هناك وصلة بربيش هي الأخرى غرقت بالشتوة الليلية وبقي رأس البربيش يطل من تحت الماء مثل أفعى “ألاناكوندا”، كريك مسنود على الجدار ما زال صامداً أمام الريح..سنستخدمه في حال سكّرت قناة أو اضطررنا لفتح أخرى ،مكنسة بلاستيك نسيتها ام العيال – الله يهديها – في قاع الدار ، وصفحة جريدة مبتلّة جرجرتها الريح فالتصقت بساق شجرة الخوخ ، كيس أسود علق بقضيب الحديد الذي فوق الشباك ، أزعجتني “خربشته” في البداية لكني أدمنتها واعتبرتها جرس الطقوس الشتوية الشهي..
أمس أحضرت كل ما يلزم ،”جلنين” كاز،بليرة خبز ،أربع علب فول الكسيح،بكسة كلمنتينا حبة صغيرة “هاظا اللي لقيته” ، ونص كيلو ترمس..لا يهمني فبهذا الانطواء الشهي والانقطاع عن العالم اكتشفت نفسي أكثر من أي وقت آخر..
اليوم سأستقبل الشتاء بانتشاء مختلف ..سأنتظر الساعة الثانية عشرة منتصف الليل بفارغ الصبر ، وعندما يتطابق عقرب الساعات بالدقائق بالثواني ،سأرجع ساعتي 60 دقيقة..
من اقسم على أن يخدم الأمة..عليه ان يضبط ساعته على توقيتها…