انشقاق الجماعة
احالت جماعة الإخوان المسلمين عدداً من القياديين فيها،الى المحاكمة؛لان هؤلاء اطلقوا مبادرة «زمزم» السياسية،والتي اعتبرتها الجماعة حركة انفصالية ناعمة،تحوي في مضمونها،اعتراضاً مباشراً على الاخوان وسياساتهم ومن داخل البيت الاخواني.
اللافت للانتباه هنا،ان التراشق بين قيادات الاخوان المسلمين،وقيادات مبادرة زمزم بات ملموساً،وليس سراً ان هناك صراعاً لم يتفجر بشكل كامل،دون ان يكون هذا الصراع كافياً من جهة اخرى،لاخذ الجماعة الى الانشقاق.
الكلام عن الانشقاق داخل الجماعة، قائم على المبالغة، لان قيادات زمزم،غير قادرة على الانشقاق برفقة مئات الاخوانيين،ولايكون هناك انشقاق الا اذا سمعنا عن خروج المئات او الالاف من الحركة تضامناً مع قيادات زمزم،وهذا امر غير واقعي.
برغم ان مبادرة زمزم اعلنت مراراً انها ليست حركة انفصالية، بل مبادرة سياسية عامة و وطنية،غير موجهة الى جماعة الاخوان المسلمين،بل تتكئ فعلياً على اطلاقها من داخل البيت الاخواني،الا ان الجماعة،اعتبرتها توطئة لهدم الجماعة من الداخل،واستدلت على ذلك بأدلة كثيرة ابرزها،دلالات القيادات التي تقف وراء المبادرة،ثم تلك البصمة الرسمية في حفل اطلاق المبادرة وغير ذلك.
في كل الحالات،قد تستغرب قيادات زمزم ان قيادات الحركة كانت تريد ان تتبلور مثل هذه المبادرة،من اجل التخلص من اسماء محددة،ومن اجل فرزها،باعتبارها انقلابية، وهذا يعني ان المحاكمة مطلوبة بحد ذاتها،اما لفصل الاعضاء،وكشف امتدادهم داخل الجماعة اذا توفر،واما لدفن المبادرة عبر تراجع قياداتها عنها،مقابل البقاء في الجماعة، وتسكين هذه الاتجاهات.
لا يمكن تصديق تلك الرواية التي تقول ان نتيجة المحاكمات ستؤدي الى شق الجماعة من الداخل،لان شق الجماعة بحاجة الى اعداد كبيرة من القواعد تلتحم بالقيادات الخاضعة للمحاكمة،وهذا امر قد لايكون متوفراً.
ثم لامصلحة استراتيجياً لاحد في الاردن،ان تنشق الجماعة،وان تنقسم،لان باب الانشقاق والانقسام،سيفتح الباب لاشكال اخرى من الانقسام،وقد تخرج غداً مجموعات اخرى،تتبنى اتجاهات متشددة سياسياً او عسكرياً،ولربما وجود خصم ُموّحد له رؤوس محددة،بالنسبة للدولة،افضل بكثير من تبني سيناريو الشق من الداخل وفرط الجماعة،فلااحد يضمن نتائج هذا السيناريو.
في توظيفات مبادرة زمزم الضغط على الجماعة،واضعافها من الداخل،وهي توظيفات ستبقى قائمة،حتى موعد المحاكمة اذا تمت،وفي ذاك التوقيت سيتضح من هو الخاسر فعلياً،من كل هذه القصة،قيادات زمزم ام الجماعة وقياداتها؟!.
لايمكن تلطيف مبادرة زمزم باعتبارها مجرد عمل سياسي على هامش جماعة الاخوان المسلمين،ولاتحت يافطة مركز دراسات باسم المبادرة،فالدوافع واضحة،لكنها ايضاً سوف تتبدد في قوتها،اذا لم تكن خلفها رافعة شعبية من داخل قواعد الجماعة او من الاتجاهات السياسية في كل البلد،فكيف اذا كانت بلا الاولى ولا الثانية؟!.
اهمية رموز مبادرة زمزم تنبع من كونهم ينتمون الى الاخوان المسلمين،وفي حال خسروا هذا الغطاء،فسوف يلتحقون بقائمة طويلة،من الناشطين السياسيين في البلد،والقدرة على توسعة تيارهم ستفتقد الى الزخم،لانهم سوف يتحولون لحظتها الى مجرد سياسيين،بلا قواعد،او غطاء،وهذا ماتعرفه قيادة الاخوان،وتريد رفعه عن هؤلاء،اي غطاء الانتساب الى الاسلاميين.
قد يكون مناسباً،لقيادات زمزم الاختيار،بين احد خيارين،اما مبادرة زمزم،مع كلفتها السياسية الاكتوارية،واما البقاء في حضن الاسلاميين،والجمع بين الامرين،على طريقة «مثنى وثلاث ورباع» امر مستحيل في هذه الحالة.
في الموروث الشعبي:هنيئا لمن جمع رأسين بالحلال على وسادة واحدة،وهذا موروث ُمصّدق اجتماعياً،لكنه مستحيل في هذه الحالة على وجه التحديد،وستكون المبادرة امام احد خيارين،الاختفاء،او ان تصبح ملاذاً وحيداً دون جماعة شريكة في الظلال.