عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

عطايا بن علي.. للاعتبار لا للشماتة

حين قرأت الكتاب التوثيقي الذي نشرته رئاسة الجمهورية التونسية حول “منظومة الدعاية لنظام بن علي” انتابتني حالة من “القشعريرة” والصدمة،، وقلت في نفسي: الهذه الدرجة يمكن للفساد ان يتمدد حتى يطبق بذراعيه على رقاب “المثقفين”، الهذه الدرجة وصلت لدى من يفترض انهم يمثلون الضمير العام حالة “القابلية” لبيع ضمائرهم وتأجير منابرهم دفاعا عن انظمة استبدت وظلمت.

ما علينا، فالكتاب “الاسود” هذا، وعلى مدى “354” صفحة، يوثق لمنظومة الدعاية التي استخدمها “بن علي”، وهو كما جاء في مقدمته “ثمرة عمل استغرق اشهرا طويلة، ينطلق كل ما ورد فيه من الوثائق الموجودة بدائرة الاعلام التي نجت من الاتلاف” اما الهدف منه فهو وصف وتحليل نظام الاعلام والدعاية في عهد “الدكتاتورية”، إذْ اعتمد هذا النظام السيطرة على المعلومة وانتقائها وتوظيفها بالطريقة التي تمكنه من السيطرة المطلقة على الوعي المجتمعي معتمدا في ذلك على امكانيات مالية وتقنية هائلة، وعلى ترسانة قانونية تسمح بمعاقبة كل خروج عن الحدود المرسومة وايضا على عدد من ابناء القطاع الاعلامي او الوافدين عليه، والكتاب كما يقول واضعوه ليس لأجل التشفي والانتقام وانما لأخذ العبرة من جربة النظام السابق حتى لا تتكرر نفس الاخطاء.

لا يمكن –بالطبع- استعراض كل ما ورد في الكتاب لكن اهم ما فيه انه يضعك امام “منظومة” معدّة ومتقنة لتسويق “بن علي” والدفاع عن انجازاته وتشويه المعارضين له –ومن اجل ذلك جرى توظيف وسائل الاعلام ومثقفين وحقوقيين من تونس وبعض البلدان العربية والاجنبية لتنفيذ الخطة مقابل دفع عطايا ومخصصات مالية لكل منهم.

في الكتاب قوائم بأسماء اعضاء “الشبكة” المتعاونة، منهم صحفيون ومحسوبون على النظام وآخرون “معارضون”، ومنهم محامون واساتذة جامعات ورؤساء جمعيات ومدافعون عن حقوق الانسان، ومنهم اعلاميون معروفون من دول عربية، وهنالك ايضا قوائم “للتسعيرة” إذْ تم تحديد مخصصات كل طرف، وكل موضوع، كما تم تحديد وظيفة كل “متعاون” وخاصة فيما يتعلق بكتابة القالات او الردود على معارضي الرئيس السابق من خلال الفضائيات.

يكشف الكتاب ملفات مهمة منها ملف علاقة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان مع السلطة، وملف بعض المحسوبين على حركة النهضة وعلاقتهم مع النظام، وملف اسلوب التعامل مع الصحفيين سواء بالاغراء والاحتواء الناعم او بالتهديد، وطرق الردّ على قنوات الجزيرة وغيرها من القنوات ومن اللافت هنا ان عملية شراء الذمم لا تتعلق فقط بالطلب من المتعاونين تسويق النظام والدفاع عنه، وانما ثمة من يُطلب منهم “الصمت” على ممارساته، والتوقف عن انتقاده.

تصطدمك في الكتاب اسماء بعض الاعلاميين الذي كنت تتصور انهم غير مقابلين “للشراء” وبعض الصحف العريقة التي تلقت مبالغ دورية تقدر بعشرات الالاف من الدنانير، كما تصطدمك ايضا ان هؤلاء الاعلاميين وتلك الصحف المحسوبة على “منظومة بن علي” تحولوا بعد الثورة الى “ثورات” يدافعون عن بوعزيزي ويشتمون الرئيس السابق.

المدافعون عن اصدار الكتاب رأوا انه محاولة جريئة لكشف الحقائق امام الناس واطلاعهم على من كان يدافع عنهم ومن كان يتواطأ عليهم، اما منتقدوه فقد اشاروا الى ان ما ورد في الكتاب قصد به التشهير، وان مهمة المحاسبة مرتبطة بالقضاء كما ان ثمة “انتقائية” في اختيار الاشخاص ومحاولة من النظام الجديد “لترهيب” الاعلام وتصفية الحسابات معه.

من جهتي، لا اريد ان اجازف بالتعليق على ما ورد في الكتاب الذي يعد سابقة في عالمنا العربي لكنني اشير الى مسألتين: احداهما ان من حق الرأي العام ان يعرف كل ما يمكن من حقائق ومعلومات، سواء تعلقت بأداء الاعلاميين او السياسيين او غيرهم، وان يحاسبهم اخلاقيا على الاقل، اما المسألة الثانية فهي ان ما فعله “بن علي” ليس “استثناء” ولو قيض لنا ان نطلع على ارشيف الاعلام في مصر مثلا لما اختلفت الصورة وربما تكون صادمة اكثر.

تبقى ملاحظة اخيرة وهي قضية “الاعتبار” والاستفادة من دروس الاخرين، ومع ان البعض لم يتصور بأن ما حدث في عالمنا العربي سيكشف كل شيء، وسيضع الجميع امام “مرآة” الحقيقة، الا انه ما زال امامنا سواء الذين تورطوا او الاخرين الذين لم تضل طريقهم نحو “بيع ضمائرهم” فرصة للاعتذار والمراجعة.. هذا اذا سلمنا بان المقصود ليس التشهير وانما الدفع نحو المصالحة وابراء الذمة.