0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

أيــن هــو «مـانـديــلا» العـربــي!؟

لا أدري اذا كان رحيل “مانديلا” بما حظي به من احترام واحتفاء في حياته ويوم وفاته، أيقظ لدى الانسان العربي نوعاً من الاحساس “باليتم” الحضاري، ليس “حزنا” فقط على الرجل الذي قضى في هذه الحياة نحو 95 عاما، وانما على عالمنا العربي الذي “عقم” عن ولادة “رمز” انساني معتبر، أو نموذج “للزعامة” الحقيقية التي تفرض احترامها على العالم كله، كما فعل الفقيد مانديلا.

ليست “الغيرة” الانسانية والحضارية وحدها – فقط  تدفع احدنا الى الاحساس “بالعجز” أو “الخيبة” او المرارة من افتقارنا للبطل او الرمز او “الانسان المثال”، ولكن ثمة “اضطرارات” آدمية تجعلنا اليوم نبحث عن “نماذج” مهمة، تساعدنا على الالتفاف حول “فكرة” توحدنا وتحررنا من حالة “الانقسام” والارتباك، وقيمة هذا النموذج المطلوب ليست فقط “شخصية” او مرتبطة بشخص مهما كانت مواصفاته، وانما قيمته في “المبدأ” الذي يؤمن به ويناضل من اجله، وفي اخلاصه له واستعداده لدفع الثمن مهما كان باهظاً، تماماً كما فعل مانديلا حين أمضى ثلاثة عقود من عمره في السجن، وحين خرج واصبح زعيماً لم يتغير كما يفعل الذين “اغرقتهم” السلطة في محيط الاغراءات، فتنكروا لماضيهم وتحولوا الى موظفين لا يختلفون عن غيرهم من الانتهازيين والمستبدين.

حين تدقق في العوامل التي حرمت عالمنا العربي من نسخة مشابهة “لمانديلا”، تكتشف ان المشكلة ليست في “فقر” التربة او جفاف “الارحام” او في غياب “الحواضن” وقلة “الامكانيات” وعجز الامكانيات، وانما المشكلة في اصرار مجتمعنا على تكسير “رموزها”، وتهشيم “عقولها” ونبذ “دعاة” الخلاص فيها، وكأن امتنا تمارس فريضة “تحطيم” الاصنام، وتتعبد بها، ليس لأن هؤلاء اصنام ودعاة شرك، وانما لانهم “يوقظون” ضميرها العام ويحركون نوازع الاخلاق فيها، وهي لا تريد ذلك، لانها استمرأت حالة الاستعباد وطاب لها العيش في عصر “الرق” من جديد، ولهذا فهي احرص ما تكون على “الاخلاص” لجلاديها والاحتفاء بقاتليها، كما انها احرص ما تكون على “معاقبة” رموزها واقصائهم وتشويههم تحت اي ذريعة أو عنوان.

لماذا غابت “النماذج” الانسانية الملهمة عن عالمنا العربي فيما لا تزال ذاكرتنا التاريخية مزدحمة بأسماء الفاتحين والمنتصرين، هل “القوة” وحدها هي التي مكنتنا من حفظ اسماء هؤلاء الذين حرروا بلادنا أم ان ثمة “جوانب” انسانية ضلت طريقها الى ذاكرتنا ونحن نحتفي بهم، جانب “السلام” والحرية والعدالة مثلا، هذه التي تتفق كل الشعوب عليها، فيما قد لا تتفق على جوانب اخرى اختزلنا فيها – للاسف – قيمة “الرمز” فلم يشاركنا في الاحتفاء احد.

الآن، يجب ان نتذكر بأن العالم “احترم” مانديلاً لانه ناضل من اجل الحرية والعدالة والسماحة والسلام، ولانه حين خرج منتصراً لم “يشهر” سيف القانون ضد خصومه وانما اشهر “وردة” العفو والمصالحة، تماماً كما فعل رسولنا عليه السلام، ولهذا استحق ان يكون “رمزا” انسانياً.

هنا لا بد ان نراجع انفسنا، فدعاة الحفاظ على الدولة والنظام حتى لو كان الثمن  “قتل” الشعب كله، كما يحدث في سوريا، يخطئون حين تتقدم لديهم فكرة “بقاء النظام” على فكرة الحرية، ودعاة تطبيق الشريعة واسلمة المجتمع يخطئون حين يعتقدون  ان الطريق الى الحكم ينطلق من هنا لا من “الحرية”  التي تتقدم في الاصل على الشريعة، ودعاة “الانتقام”  من الخصوم واقصائهم يخطئون  ايضا حين يظنون بان الوصول  للسلطة والبقاء فيها يستلزم معاقبة الاخرين  وعدم السماحة معهم، لان  هذا منطق العدل، ومنطق الثورة ايضا.. لكن ما فعله مانديلا كان عكس ذلك تماما، حيث لم يعتمد منطق “القصاص”  ولا الاجتثاث وانما تعامل مع “البيض”  رغم ما فعلوه بمنطق العفو والاحسان.

حين افتقدت  الشعوب العربية “رموزها”  ونماذجها الملهمة خرجت وحدها لصناعة “البطولة” التي انتظرتها طويلا ولم تأت، لكن سرعان ما فوجئت بان “الاشباه” ركبوا الموجة،  فحولوا الثورة الى نقمة،  والحرية التي انتزعها الناس الى “سجون” جديدة..  وسط ذلك لم نجد – للاسف –  مانديلا عربيا واحدا يقف وسط الجماهير لكي يلتفوا حوله، ولم يكن مسموحا لهذا “المانديلا” ان يظهر او يتكلم.. فثمة مئات القناصين الجاهزين للانقضاض عليه.

باختصار، نحن بحاجة الى “مانديلا” عربي جديد،  يخرج من سجون “الرق”  والاستعباد،  ويرفع راية الحرية والسلمية، ولا يكون محسوبا على حزب او دين او طائفة، رجل يحظى باحترام الجميع لانه يمثل “ضميرهم” ويتحدث باسمهم، ولا يريد ان يحاسب او يعاقب وانما يريد فقط ان “يتصالح” مع  من يعيشون معه على ارض واحدة ومن يقاسمونه التشوق الى الحرية والكرامة والعدالة.. وهذه فقط.