أصفار في حاسوب السياسة
حتى في المباريات الرياضية قد يتعادل فريقان حين تكون النتيجة صفراً، لكن هناك من المراقبين من يقول بأن فريقاً لعب افضل من الفريق الآخر، وفي السياسة دلالات أخرى للأصفار أو التعادل لا تعرفها الحواسيب، وهناك ثلاثة أمثلة على الاقل من التاريخ الحديث عن حروب انتهت الى تعادل.. على طريقة لا غالب ولا مغلوب، لكن القراءة العمودية لا الافقية لهذه النتائج مختلفة، حيث يكون الاحتكام الى دوافع الحرب أولاً.
في مثال الحرب العراقية – الايرانية، احتفل طرف بالنصر رغم أنه عاد الى مواقعه، وقال الطرف الآخر انه قبل بوقف اطلاق النار كما لو أنه يتجرع السّم. فالعراق فسر التعادل بطريقة أخرى، لأن دوافع الحرب كما رأى كانت تستهدف احتلاله أو احتلال أجزاء منه ضمن سياق ما سمي يومئذ تصدير الثورة.
وحرب اكتوبر لم تخرج عن هذا الوضع لأن عبور القناة وهو انتصار عسكري لا شك فيه سرعان ما اصبح مقابل ثغرة الدفرسوار التي تحولت من ثغرة عسكرية الى ثغرة سياسية انتهت الى كامب ديفيد.
وما يقال الآن عن الحرب الباردة أو الدبلوماسية بين طهران وواشنطن بأنها انتهت الى تعادل يتجاهل عدة أمور منها ما يتصوره كل طرف عن مغانمه من هذا الاتفاق رغم أنه مؤقت ومدته ستة شهور.
ايران ترى فيه انتصاراً قياساً الى ما كان الوضع عليه من حصار وعزلة وتهديد عسكري بالعدوان، والغرب بدءاً من واشنطن يراه عكس ذلك، فالاصفار أو التعادل في السياسة والحروب يتيح لكل الأطراف أن تقرأه على طريقتها ووفقاً لرغباتها.
وفي حرب حزيران رغم ان الهزيمة كانت ساحقة، رأى البعض من الأنظمة العربية أن المهزوم هو اسرائيل لأنها كانت تستهدف اسقاط أنظمة وقادة، لكنها فشلت في ذلك.
ان الصفر السياسي قابل لأن يزيد او ينقص كأي رقم تبعاً للنوايا والقراءات وهنا يتولى الاعلام المسألة بحيث يستطيع اذا توفرت المهارة والقدرة على اعادة انتاج الوقائع ان يحول النصر الى هزيمة والعكس صحيح ايضا، لكن هذه الاوهام لا تغير من الواقع شيئاً، لأن من يترجم هزيمته على انها انتصار يكتشف على الفور بأنه اضاف الى الهزيمة شيئاً آخر هو خداع الذات وتبديد الفرصة لاعادة النظر في أوضاعه، ويحرمه هذا الوهم من النقد الذاتي ايضاً، وبذلك يكون قد بدأ بالتأقلم مع هزيمته، والهزيمة لا تكتمل الا بالتأقلم معها.
المهزوم عسكرياً قد يستعير من عالم الرياضة ومبارياتها ذلك العزاء الذي يتلخص في عبارة واحدة هي انه لعب بمهارة رغم ان النتئاج لم تكن لصالحه، لكن الانتصارات والهزائم لا تُصنع أو تنجز على هذا النحو، لأن نتائجها تفرض أمراً واقعاً.. ولا أظن ان أوهام المهزومين تدفعهم الى احصاء الغنائم بدلاً من الخسائر.
اصفار السياسة أرقام، ومنها ما هو صعب لأن النتائج فيها تقاس في ضوء المقدمات والدوافع!!