لا يوجد سبب علمي للربط بين الحمار والغباء او التياسة حسب المصطلح الدارج , فالحمار له ذاكرة أهلته ان يكون اول مهندس طرق في التاريخ سواء من خلال اختياره ايسر الطرق واسهلها او من خلال حفظه للطريق , وثمة حزب يقود العالم اليوم من خلال رئيسه ترامب شعاره الحمار الوحشي , ولا اظن ان ثمة خلافا بين الحمير الا في الالوان فقط , رغم الخلاف الشاسع بين منتجات المصاهرة بين الحمير والخيول او الجياد الاصيلة , فإذا كان الوالد حصانا والوالدة من طبقة الحمير او ” ايتان ” حسب الاسم العلمي لانثى الحمار , كان المولود ” بَغلا ” وهذا بالعادة يكون مرتفع القوام وغالي الثمن واكثر قدرة على الاحتمال من الحمار , وظل لفترة طويلة مسؤولا عن قطاع الطاقة بوصفه الاقدر على جرّ عربة الكاز التي تجوب الحواري والحارات , اما اذا كان الوالد حمارا والانثى فرسا , فإن المولود يكون ” نُغلا ” , وهذا الوليد مدان بكل المواصفات واللغات وكأن البشرية قبلت ان يطأ الحصان حمارة والعكس مرفوض دوما , فالبغل حالة متقدمة في الغباء حسب الشتيمة الدارجة , وايضا فيه جانب ايجابي من حيث القدرة على الاحتمال فنقول فلان بغل .
خلال سنوات طويلة ظلت صفة الحمار مقرونة بالغباء وعدم الفهم , الى ان سمعت هذا الوصف من مسؤولين , وللدقة خلال متابعتي لاكثر من تعيين , وحتى اروي الحكاية بتفاصيلها , فقد سألت مسؤولا ذات تعيين عن فلان من الناس , فأجابني بانه حمار لا يفقه شيئا , واستغربت حينما اتى هذا الحمار حسب وصف المسؤول السابق في موقع مهم مع حكومة ثانية , وتكررت هذه القصة معي لاربع مرات على الاقل , حتى تمنيت الله ان اصل الى مرتبة حمار من هذه الحمير , يحظون بالدلال والترقيات ويحظون برواتب خيالية وبوظائف شبه مؤمنة في القطاعين العام والخاص , بل ان طبقة الحمير مستمرون في المناصب ويجري ترحيلهم من وظيفة الى أخرى بكل يسر وسهولة , بينما يحتاج غير الحمار الى العمل في اكثر من موقع واكثر من عمل كي يصل الى راتب الحمار .
هناك سيئة اخرى لغير الحمار , فهو غير مرغوب ومطلوب في دوائر العمل العام والخاص نسبيا , فلأول مرة اسمع شتيمة مفادها ” يا أخي بفهم كثير وبغلّب ” , ولا يمكن العمل معه , ومع انقلاب هذه المعايير , بأن الذي يفهم غير مطلوب , فبات من اولويات الترقي , تمني الانسان ان يصبح حمارا , حتى ينعم برفاه الوظيفة والرواتب العالية , والهناء في الحياة والعمل , فكل حمار له نصيب , ومؤخرا بات النغل ايضا مطلوبا في الوظيفة والترقي اكثر من البغل , رغم ان النغل بالعادة ضعيف في البنية وضعيف في الاحتمال , لكن اكثر من نغل بات في مواقع متقدمة وبات يخوض في شأن العامة ومستقبلها .
استيراد الصفة من الخارج وأعني الحمار لم ياخذ القيمة الاجتماعية لمفهوم الحمار عندهم وعندنا , ويبدو ان زمن الاستشراق والمستشرقين , الذي يسود اليوم حيث استوردوا فكرة الحمار دون قراءة المعنى والمبنى , قد اسهم في وصول بعض الحمير الى مواقع المسؤولية , لذلك على كل صاحب عقل في بلادنا ان يسعى الى تناول حبتين لدعم منسوب الغباء تماما مثل حبوب الفيتامينات التي تُباع في الاسواق .