ملفان غائبان عن الرئيس
لا نرید ان نكون سلبیین ونبث الإحباط بین الناس، لكن كل الكلام عن استقطاب الاستثمارات الخارجیة، بحاجة الى إعادة مراجعة من حیث المضمون والنتیجة.
كل الحكومات، بما فیھا ھذه الحكومة، تتحدث عن نیتھا استقطاب الاستثمارات الخارجیة، والكل یدرك ان ھذه مجرد شعارات، اذ إن لا استثمارات جدیدة على مستوى العرب والأجانب، بسبب البیئة الطاردة من جھة، وبسبب معاملة المستثمرین، فوق بیئة الإقلیم الصعبة التي ترفع من منسوب مخاوف المستثمرین الى حد كبیر.
لكن ھناك حلقات مفقودة تتعمد الحكومات القفز عنھا، وابرز ھذه الحلقات، اقناع الأردنیین الذین یستثمرون الملیارات خارج الأردن، بالعودة الى وطنھم، بدلا من الركض وراء الاستثمارات العربیة والأجنبیة، فالأولى اقناع الأردنیین العودة بأموالھم الى بلادھم، وفي أسوأ الحالات وقف خروج الأموال من الأردن، وھذا ملف لا یتم التعامل معھ بشكل صحیح، وتقف الحكومات امامھ فاشلة وعاجزة.
ھل تستطیع الحكومة الحالیة ان تعلن عن ارقامھا بخصوص مقدار استثمارات الأردنیین خارج الأردن، وأرقام الاستثمارات التي تم اغلاقھا خلال السنین الأخیرة، بحیث خرجت ولحقت بغیرھا، او حتى تم اغلاقھا كلیا بسبب سیاسات الضرائب، والغلاء، وكلف الإنتاج، ومشاكل البیئة الاستثماریة، التي جعلت الأردني، یفر نحو الخارج، وفي حالات یقرر اغلاق استثماره الصغیر او الكبیر، ویتقاعد في بیتھ مفضلا، ان یتجنب مزید من الخسائر؟
الإجابة على ھذا الملف، تبدو غائبة، لأن الحكومات لا تعترف بمسؤولیتھا في تنفیر الأردني من الاستثمار في بلده، ولا تقر أیضا ان سیاساتھا أدت الى ھروب المستثمر الأردني بحثا عن بیئة آمنة، ولحظتھا یصیر الحدیث عن الاستثمار العربي والاجنبي، مجرد كلام، لأن معاییر المستثمر واحدة، أیا كانت ھویتھ أردنیة، او عربیة، او اجنبیة.
لا یفكر أي مستثمر بطریقة عاطفیة، بل یحلل البیئة الصعبة التي یعیش فیھا، ویقرأ ارقامھ بطریقة تقول ان علیھ ان یبقى بعیدا، وبھذا المعنى یمكن القول ان الحكومات لدینا، ھي المسؤول عن خروج الاستثمار الأردني الى دول أخرى، لكننا نتعامى عن ھذا الواقع، ونصر على ان امامنا فرصا لاقناع العربي والاجنبي، وھذا غیر صحیح ابدا، فوق انھ ھروب نحو مسارات بدیلة.
الملف الثاني الأكثر أھمیة، یتعلق بودائع الأردنیین في المصارف، وھي تقدر بعشرات الملیارات، وسواء كانت ھذه الودائع مجرد توفیر مالي، او أرباح مالیة، او تجمعت من التجارة او بیع الأرض، او حتى حسابات لمشاریع تجاریة، فإن ھناك حالة انجماد، بسبب الذعر النفسي، والمخاوف من الازمات على كل المستویات، وھذا یعني ان تجمید ھذه الملیارات، مشكلة إضافیة بحاجة الى حل، والكل یدرك ان تسییل ھذه الأموال من جانب أصحابھا في السوق، سیحرك الاقتصاد، جزئیا، لكن ھذا امر لا یتم، ولا تبذل أي حكومة، أي جھد، لتحسین المزاج النفسي- الاقتصادي، لحض الناس، على تحریك أموالھم، على مستوى شراء الأرض والعقار، او أي استثمار صغیر او متوسط او كبیر.
ھذه الملیارات المجمدة، تفقد من قیمتھا أساسا، لان الذي قد تشتریھ الیوم، بمالك، او تنجزه بما لدیك، قد لا تستطیع فعلھ في وقت لاحق، بسبب الغلاء، او التضخم، او أي ظروف أخرى، وبرغم ھذه الحقیقة، یصر اغلب الناس، على تجمید أموالھم، وكأن على روؤسھم الطیر، او كأنھم ینتظرون شیئا ما قد یحدث او قد لا یحدث، وھنا دور الحكومات في فك ھذا الانجماد، لضمان الحد الأدنى، من تحریك الأموال، وحض القطاعات الداخلیة على الحركة، والاستفادة من الإمكانات الداخلیة على قلتھا.
ملفان بحاجة الى تدخل على مستوى عال، خصوصا ان تحویل الاقتصاد، الى اقتصاد معتمد فقط على المساعدات والمنح، وتوسل العرب والأجانب لإقامة المشاریع، امر لم یعد كافیا، وھناك إمكانات متاحة جزئیا على الصعید الداخلي، لكنھا تتعرض لذات الشروط السلبیة التي تجعل المستثمر العربي والاجنبي یبتعد عن ھنا، باستثناء ما یمكن ان یتم ربحھ عبر قطاعات المصارف والاتصالات تحدیدا، دون غیرھا من قطاعات.
لابد من إزالة حالة القلق النفسي أولا، ومراجعة سیاسات الضرائب، وتحسین البیئة الاستثماریة، واطلاق مبادرات كبرى لتحریك الاقتصاد، بإمكاناتھ الداخلیة، خصوصا بعد ان ثبت ان الھروب نحو قصة الاستثمار العربي والاجنبي، لم تؤد الى نتیجة.
الغد