عربي وافتخر
القتل بات يومياً،في فلسطين والعراق،سورية ولبنان،تونس ومصر،ليبيا واليمن،ولا تجد أمة من الأمم تنتحر بهذه الطريقة مثل العرب.
هشاشة تاريخية،ولأن هذه الأمة،هشة وضعيفة،بنيوياً،ولا تجيد سوى حرفة الكلام تاريخياً،وهو منجزها الوحيد،فقد تم تعويضها بخاتم الانبياء والمرسلين،لعل في الدين،تعويض لكل الاختلالات والنقص في هذه الشخصية.
الدين تم تركه،والتخلي عن أخلاقه،مقابل عبادات يمارسها أغلبنا،بلا روح،ولا تترك قيمة اضافية على الصعيد الاخلاقي،اي اننا امة بلا روح،نصوم ونصلي،غير اننا نكذب ونسرق ارث الاخوات،ونعق الاباء والامهات،ونكره ونحقد،الى آخر المتتاليات،والذي يرى اعداد المصلين في «الجمعة» يسأل نفسه اذا كان كل هؤلاء يصلون فمن يرتكب الاخطاء والخطايا طوال اسبوع؟!.
سنلاحظ هنا امرين،اولهما ان لكل الامم اعداء وخصومات،غير اننا الامة الوحيدة التي يسهل اختراقها،والموساد الاسرائيلي جند مئات الاف العرب في كل العالم العربي،جواسيس،وكلاب أثر،لكننا لم نسمع عن اسرائيلي واحد تم تجنيده لصالح منظمة عربية او دولة عربية،ولم نسمع عن يهودي واحد،باع اسرار اسرائيل لأي دولة،الا اذا كنا نصدق الحركات القرعاء في المسلسلات المصرية.
ثانيهما ذاك الذي يقول ان كل الامم فيها اختلافات والوان،واذا ذهبنا الى مجتمعات مثل الامريكي والكندي والبريطاني،لوجدنا اديان وملل واعراق،والكل يعيش،ويعطي احسن ماعنده،فيما كل الالوان في العالم العربي،باتت وسيلة للقتل والتصفية.
صراعات السنة والشيعة،والكراهية المبثوثة في اضلعنا ودمنا تجاه بعضنا البعض،الكل يكره الكل،هذا مسيحي وهذا مسلم،هذا درزي وذاك علوي،هذا شمالي وهذا جنوبي،هذا كردي وذاك امازيغي.
هذا الى الجنة وذاك الى النار،هذا أصلي وذاك تقليد،هذا طويل وذاك عريض،والمفارقة ان الجميع من اصل طيني مالح واحد.
العجرفة والفوقية والعنجهية عنوان الجميع،برغم ان الجميع في جهنم،لكنهم يجدون وقتا،لتوزيع الشهادات على بعضهم البعض،وتقييم بعضهم،فيما كلهم في ادنى سلم الامم،وتستغرب اذ تقرأ دوما تعريفات للافراد من باب «سوري وافتخر» او «مصري وافتخر» او «خليجي وافتخر» الى آخر هذه العنتريات.
لا احد يقول لك بماذا يفتخر،وعلى اي اساس يفتخر اصلا،وهل هناك ما يستحق الفخر،والفخر الزائف تقرأه على الوجوه وفي الكلام؟
المشترك بين الاول والثاني،ان بعضنا يقول ان هناك مؤامرة،ينفذها الاسرائيلي تارة ضدنا،وينفذها الايراني تارة اخرى،والخصوم لا يُعدون ولا يُحصون،لكن لا احد يقول لك على صحة هذه الفرضية،كيف يمكن دوما اختراق هذه الامة،وايجاد عملاء ينفذون هذه المخططات لصالح الاسرائيلي او غيره،او يبثون الفرقة،بين الناس،استثماراً في الوانهم المقدسة وغير المقدسة.
هل تمكن مليار عربي ومسلم من اقناع اسرائيلي واحد بتفجير موقع في اسرائيل مثلا،هل اقنع مليار عربي ومسلم،من اقناع اسرائيلي واحد بتأسيس حزب مهمته مثلا بث الفرقة بين اليهود الروس والغربيين؟!.
المتحذلقون فقط يقولون لك انك ربما معجب بالعدو ومفتون به.حسنا.لعنة الله على العدو ومن والاه.اعطوني مثلا حياً من واقعنا يقول العكس،غير القصص الفردية التي لا تغني شيئاً عن نقد الروح الجمعية،وهي روح عنوانها الكراهية والهشاشة والانشطار.
هذا وطن من خليجه الى محيطه بات مقبرة كبرى،والقتلى في كل مكان،ولا تسمع الا دعاء بعضنا،اذ كانوا يتمتمون:اللهم اجعل العراق مقبرة للغزاة-آمين-اللهم اجعل الشام مقبرة لهم-آمين-اللهم اجعل افغانستان مقبرة للمحتلين-آمين-ايضاً!.
الاستجابات جرت بشكل معكوس،اذ باتت دولنا مقبرة كبرى لنا،لا لمن احتل دارنا،وغزاها في ليل ونهار،بشراكة من ابناء جلدتنا.
مناسبة الكلام:القتل في بيروت البارحة،وايا كان القاتل الاصلي،فقد وجد في النهاية من يحمل المتفجرات ويقوم بتفجيرها،وهذا هو المهم،قبل هوية القاتل والرسالة التي يراد ايصالها،والقاتل كان عربيا او اسرائيليا،لم يقتل اللبنانيين،الا لانه وجد فيهم وبينهم،من يقدم الخدمة مقابل دراهم معدودات.
مثله كثرة مستعدين لتقديم ذات الخدمة في كل الشرق العربي الذبيح،وهذه الهشاشة هي اساس البلاء،وهي الهشاشة التي تولد كل الامراض من قلة الدين الى سوء فهم الدين،وصولا الى الخيانة وانعدام الاخلاق والمثل،مرورا بالعنجهية المريضة دولا وافراداً.
عربي وافتخر…هل من سبب واحد للفخر حقاً ؟!.