رابعة النهار!
قيل أنها شارة ورمز مستلة من تقاليد الماسونية، وقيل أنها غير ذلك، لكنها تحولت إلى رمز إنساني عابر للقيود والحدود، ويكفي أن ترتفع في أي مكان، كي يستحضر من يراها ملحمة غنية بالبطولة والظلم والقهر والكبرياء والضعف والقوة والجبروت!
قالت العرب للشيء الواضح: كالشمس في رابعة النهار، ويستخدم تعبير «رابعة النهار» للتعبير عن وضوح الشيء وجلائه، مثلاً يقال كثيراً «الحقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار»، وكلمة «رابعة» تعني الوضوح والتوسط، ومنها كلمة مربع، وقد مضت شارة «رابعة» في الطريق ذاته، فهي من الوضوح إلى حد يثير الظلمة والفساق والقتلة، فلا يطيقون رؤيتها، حتى أنهم أنشأوا أقساما لمراقبتها وتعقبها، كأنها الضمير الحي الذي يُراد له أن يكون مستترا، فلا يبدو فيغيظ، ويوقظ ذكريات الجريمة التي ارتكبت بحق أهلها، بل أصبح التلويح بها، أو رفعها «جريمة» في معيار البعض، لأنه يُراد دفنها، ونسيانها، وأنّى لهم ذلك، فقد تحولت إلى رمز كوني، شانها شأن علامة النصر، أو ضم أربعة أصابع ورفع الإبهام، علامة الموافقة والاستحسان!
يقال أنهم يخططون لدفن الاسم، واستبداله باسم آخر، وما عرفوا أنها لم تعد اسما للميدان، حتى ولو جرفوا كل ما يدل عليها، واستبداله بنصب وتماثيل، فهي قد ذهبت إلى الوجدان، وسافرت في الضمائر، فلم تعد تقيم في مربع جغرافي محصور بمئات الأمتار، بل ربت جناحين تطير بهما في فضاء الحرية والانعتاق، ومن غريب أنهم كلما أمعنوا في ملاحقتها، أصر أهلها على تكريسها، حتى ولو واجهوا في ذلك المصاعب والمتاعب!
كم كان عبقريا أردوغان حين اجترحها ذات خطاب عفوي، ولربما لم يدر بخلده آنذاك، إنها ستتحول إلى رمز إنساني، ومؤسسات ومنتديات ومواقع على شبكة الانترنت، وأيقونة خالدة تتوارثها الأجيال، ويفهمها الصغار قبل الكبار!
لو لم تكن تحمل كل تلك المعاني، لم تغيظهم وتستفزهم وتثير جنونهم؟ لم اخرجوا من يرفعها عن القانون، وهي محض شارة يدوية، شأنها شأن أي علامة من علامات لغة الصم والبكم؟ ألهذه الدرجة تؤلمهم؟
رابعة موجودة في وجدان الشعوب الحرة، ما دامت الأصابع موجودة في أيدي البشر، وما دامت الشمس تعتلي رابعة النهار!