عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

الفساد يمتد الى القاعدة

نهب المال العام جرى عبر وسائل مختلفة،فالنهب ليس بالضرورة مد اليد الى الخزينة والسرقة مباشرة،بل عبر وسائل مختلفة.

ترحيل المخصصات المالية من المكاتب الى بيوت المسؤولين،في حقائب وسيارات وصناديق،باعتبارها مخصصاتهم الشخصية،مروراً بالتنفيعات،وصولا الى السمسرة والعمولات وغير ذلك.

نسمع قبل ايام مثلا عن مليارات الدنانير،تطالب بها الحكومات المتتالية،من نافذين ومواطنين،فلا يدفع احد،فوق سياسة الحكومات المتعاقبة التي ادارت المال العام باعتبارنا دولة فوق نفطية،وهذه هي النتيجة اليوم.

كيف سيدفعون وهم يعتبرون ان ثقافة النهب امتدت الى قطاعات واسعة،ولم تعد حكراً على المسؤولين؟!.

الجابي يريد رشوة،والميكانيكي يسرق قطع الغيار،والمراسل يريد اكرامية من اجل تمرير معاملتك بسرعة،وسائق التاكسي يريد ضعف العداد،والمدرسة تبيعك الكتب بضعف ثمنها،وبائع الملابس يرفع ثمن بضاعته المكدسة في المخازن،بذريعة ضريبة لم تشمله اصلا.

الكل شغال في الكل،حتى لا نبيع العفة على بعضنا البعض،ونحصر الاتهام بطبقة محددة،اذ امتدت امراض هذه الطبقة الى القاعدة الشعبية وبتنا سواء والحمد لله،وقد كنا نطالب بالمساواة،فتحققت اخيراً.

الذهنية التي تحكم اداء الاغلبية عموما،باتت تفكر دوما بكيفية تحصيل مصالحها،والنهب المالي والمعنوي،تحت عنوان «الفهلوة» بات واضحاً،وقلة قليلة تخاف الله،وتحسب حساباً لكون اي صلاحيات او مال بين يديها،هو مال الناس،وامانة بما تعنيه الامانة.

هذا الفساد الوجداني انتقل كعدوى الى كثيرين شعبياً في ظل مصاعب اقتصادية،باتت تبيح للبعض كسر المحرمات الدينية والاخلاقية،و»الفهلوة» بتنا نراها في كل التفاصيل.

عام 1958صدر قانون غريب بقي مثالا ليومنا هذا,واسم القانون «قانون منح تعويض مواساة لشقيقتي المرحوم السيد سليمان طوقان» والقانون صدر بعد موافقة مجلسي الأعيان والنواب ومعه إرادة ملكية وتمت إضافته إلى قوانين الدولة,وهو من ثلاث مواد, ويمكن لمن أراد أن يجده على موقع التشريعات الأردنية.

قصة القانون تخص المرحوم سليمان طوقان والذي كان ضمن الوفد الأردني الذي رافق رئيس الوزراء إبراهيم هاشم إلى بغداد, وخلال وجودهم هناك تم انقلاب 17 تموز عام 1958 الذي تم فيه قتل أعضاء من الوفد الأردني ومنهم سليمان طوقان وكان يومها محافظاً في الداخلية.

لم يكن له زوجة بل أختان يعيلهما ولم يكن له تقاعد,وقتل يومها في مهمة رسمية ولم يستطع مجلس الوزراء،انذآك،إيجاد أي بند لإعطاء شقيقتي المرحوم أي مبلغ مالي يعينهما على تكاليف الحياة بعد وفاة المعيل الوحيد.

اضطر مجلس الوزراء إلى إصدار قانون حتى يصرف لكل واحدة منهما خمسمئة دينار فقط لا غير ولمرة واحدة, وبحيث يتم دفع التعويض من مخصصات المادة الرابعة من الفصل الثالث من الميزانية العامة،وصدر القانون بأسم «قانون منح تعويض مواساة لشقيقتي المرحوم السيد سليمان طوقان».

إذا كان صرف ألف دينار لعائلة موظف كبير تم قتله خلال مهمة رسمية احتاج إلى قانون مر بكل مراحله الدستورية فهذا يعني قيوداً إدارية لم ُتمّكن رئيس الوزراء آنذاك من صرفها دون الحاجة إلى قانون.

هذه الحادثة تؤشرعلى الذهنية الرسمية والشعبية،معاً،آنذاك،فلا الحكومة اعتبرت ان المال مالها،ولا الشقيقتان اعتبرتا ان من حقهما الغرف من الخزينة،فالنزاهة انطبقت على الرسمي والشعبي معا.

ما نراه اليوم،ضرب في البنى التحتية في الاتجاهين،الرسمي والشعبي،وكل هذا يقول ان حاجتنا للاصلاح لا تقف عند الحكومات والمؤسسات،بل تمتد الى ضرورة اصلاح الافراد ونفوسهم ايضا،حتى نلمس نتائج صادقة لشعاراتنا.

لا يمكن شطف الدرج من أوساخه باختيار درجة واحدة انتقائياً،ولا بد من شطف كل الدرج،بعد ان ارهقتنا «الفهلوة» حيثما ولينا وجوهنا في هذه الدنيا،بحثا عن قبلة نرضاها.