الصين عائدة وليست قادمة!
تكررت عبارة أمريكا في خطر عدة مرات خلال نصف قرن ولم تكن احداث أيلول 2001 الا واحدة من تلك المرات، حيث بدأ من راهنوا على ان القرن الحادي والعشرين امريكي يعيدون النظر ومنهم برجنسكي مستشار الامن القومي الاسبق، والخطر الاعظم هو ما كان يتردد ابان الحرب الباردة عن توازن الرعب النووي، لكن الخطر الآن اقتصادي اكثر منه سياسياً، وهو قادم من الصين، التي لا يعرف الكثيرون انها عائدة وليست قادمة من المستقبل فقط، فالثورة الصناعية الاولى انطلقت من الصين وليس من الغرب في القرن الحادي عشر اثناء حكم اسرة سونغ، وكما يقول غريش فان الصين كانت في تلك الفترة تنتج 125 ألف طن من الحديد وكان على بريطانيا ان تنتظر سبعة قرون ليصل انتاجها من الحديد عام 1788 ما لا يزيد عن خمسة وسبعين الف طن، وان الصينيون قد استبدلوا فحم الكوك بفحم الخشب، وظلت الصين القوة العظمى الاولى في العالم حتى نهاية القرن السابع عشر، وربما لهذا السبب توصف الصين بالتنين الاصفر القادم، لكنْ ثمة غموض مقلق للغرب في هذه الامبراطوية التي عاشت زمناً طويلاً وراء السور بحيث لم يكن سورها من حجر واسمنت فقط، بل هو ايضا سور ذهبي، وهذا ما يفسر عدم وجود أية دائرة سياسية في الامبراطورية الصينية تُعنى بالشؤون الخارجية.
وحين حاولت واشنطن في عهد الرئيس نيكسون طرق بوابات بكين شعرت بأن الغموض الصيني، ليس سهلا تفكيكه، فكلف كسنجر باستشارة واحد من اصدقاء الصين وهو ايضا صديق لماوتسي تونغ في تلك الايام هو الكاتب الروائي اندريه مالرو وزير الثقافة في حكومة الجنرال ديغول والذي زار الصين مراراً وكتب عن متاحفها وآثارها.
في البداية سخر مالرو من هذه الاستشارة الامريكية وقال لكسنجر ان امريكا تحتاج الى مئة عام كي تفهم الصين، وعليها ان تعيد قراءة كونفوشيوس جيداً.
ومنذ ذلك الوقت والسؤال الاميركي حول الصين بلا اجابات مؤكدة، فهي ليست قادمة من المستقبل كنبت شيطاني، بل كانت قبل عدة قرون رائدة في الثورة الصناعية، وفي تطويع مجالات كثيرة للتحديث ولها باع طويل في التقنية.
التنين الاصفر ليس لغزاً اسطورياً، انه كتلة بشرية يتجاوز تعدادها الديمغرافي المليار ولديها من الافكار عن نفسها وتاريخها ما يدفعها الى التكتم حول امكاناتها غير المعلنة، لهذا فهي تهديد فعلي يدفع بعض الامريكيين الى قرع الاجراس ليقولوا ان امبراطوريتهم البيضاء في خطر، وان التاريخ لا يقبل التدجين او المكوث في حقبة ما.. ومن قوانينه ألا يبقى شيء على حاله، وان الثابت الوحيد فيه هو التغير الدائم.
ان الغرب الآن يأخذ بكين على محمل الجد من كل النواحي، ويخشى على مركزيته التي أنجزها بالاستعمار والسطو ان تتبدل، واقرب دليل على ذلك ان هناك الآن توجهاً في امريكا لفهم الصين من خلال تخصص الآلاف من الاكاديميين والخبراء في ثقافتها وتاريخها ومجمل مكوناتها.