حماس و«محور المقاومة»
تناقلت الفضائيات ووكالات الأنباء وصحف ومواقع إلكترونية عديدة “لائحة الشروط” التي قيل إن قيادة حماس قد تبلغتها من عواصم “محور المقاومة والممانعة”، لعودتها إلى “حضنه الدافئ”، وأن تردد حماس في قبول هذه الشروط، هو ما يحول دون إتمام المصالحة والعودة، وحال بين خالد مشعل وزيارة طهران أكثر من مرة، وأبقى أبواب دمشق موصدة في وجه قادة حماس، ومعها أبواب الضاحية الجنوبية التي ظلت مفتوحة “مواربة” لزوار منتقين من حماس، ولكن ليس لكل قادتها.
الشروط تبدأ بمطالبة الحركة إجراء مراجعة عميقة وعلنية لمواقفها السابقة والاعتذار للشعب السوري عن المشاركة في “سفك دماء” أبنائه وفض ارتباطها بجماعة الإخوان، بل والعمل على ثني إخوان سوريا عن المشاركة في المعارضة المسلحة، وإقناع تركيا بتبديل مواقفها وإيقاف تسهيلاتها للمعارضة، دع عنك المطالب القديمة – الجديدة المتمثلة في قيام حماس بالتصدي لفتاوى القرضاوي الشاذّة ومن سار على دربه من “علماء النيتو”.
مثل هذه الشروط، لا يمكن أن تكون صدرت على هذا النحو من قبل أركان المحور المذكور … أولاً، لأن مكونات هذا المحور، ليست لهم مواقف ولا أولويات متطابقة تماماً، فلكل منهم حساباته أولوياته الخاصة …وثانياً، لإدراك قادة هذا المحور باستحالة تنفيذها … وثالثا، لمعرفتهم للحدود الضيقة التي تستطيع فيها حماس أن تؤثر على الجماعات الإخوانية المنتشرة في المنطقة، فخالد مشعل الذي لم ينجح في إقناع إخوان الأردن بالمشاركة في الانتخابات النيابية السابقة استجابة لطلب اردني، لن يكون قادراً أبداً على إقناع إخوان سوريا بالتوقف عمّا يفعلونه، وتبديل مواقعهم وتحالفاتهم، والمؤكد أنه لن يجرؤ على مفاتحة تركيا بتبديل مواقفها وتحالفاتها، وهو العارف أكثر من غيره، مستوى الحماس البالغ حد “الهوس” عند القيادة التركية بإسقاط النظام في دمشق، حتى وإن كان باللجوء إلى جميع شياطين الأرض وإرهابييها.
ثم أن علاقة حماس العضوية بجماعة الإخوان المسلمين (السنيّة) ربما تكون الحافز الأكبر لدى طهران على التقرب من حماس ودعمها، حتى تدرأ عن نفسها الاتهامات باعتماد سياسات وتحالفات مذهبية صرفة، ولا أحسب أن أحداً في إيران بوارد الطلب إلى حماس الانفصال عن الجماعة لعدة أسباب منها: أن إيران تحتفظ بعلاقات طيبة عموماً مع جماعات الإخوان، وهي اتخذت موقفاً متضامناً مع نظام مرسي وإخوانه بعد الثلاثين من يونيو والثالث من يوليو الفائتين، ومنها أيضاً أن إيران تريد لحماس أن تكون رأس جسر لها مع الإسلام السياسي السنّي الذي يشاطرها بعض المواقف والمصالح في أزمات الإقليم وملفاته المختلفة.
على أية حال، نرى أن ما يتردد عن شروط وإملاءات تضعها طهران وحلفاؤها في طريق “عودة الابن الضال”، تنطوي على قدر من المبالغة وربما الإسقاطات والرغائب الخاصة بمسربي هذه المعلومات … مع أننا ندرك تمام الإدراك أن لهذا المحور مطالبة من حماس، التي يتعين على الحركة الوفاء بها، إن هي قررت العودة إلى أحضانه، وهي في الأصل تتعلق بالموقف من الأزمة السورية، وفي هذا السياق، تبدو دمشق الطرف الأكثر “ممانعة” في إصلاح ذات البين مع حماس من بقية أطراف هذا المحور.
حماس مترددة بإحداث الانعطاف في موقفها من الأزمة السورية، أولاً لأنها ذهبت بعيداً في استعداء النظام ودعم معارضيه وخصومه محلياً وإقليمياً، وثانياً، لأنها منقسمة على نفسها في الموقف من الأزمة السورية، وثالثاُ، لأنها تخشى خسارة حلفها التركي – القطري من دون أن تتأكد بأنه سيكون مرحباً بها في طهران ودمشق والضاحية من جديد.
في المقابل، تبدو طهران منقسمة على نفسها في الموقف حيال حماس، فما حاجة الرئيس روحاني وصحبه لحماس وهو يخطو باتجاه واشنطن وباريس ولندن … صحيح أن فريقا من القيادة الإيرانية ما زال يتحدث عن “المقاومة واستراتيجيتها ونهجها”، لكن الأولوية العليا لإيران اليوم، تقع في مكان آخر: رفع العقوبات والانفتاح على الغرب.
أما سوريا، فهي لن تقبل عودة حماس إلى دمشق إلا من بوابة واحدة فقط: بوابة التحالف مع النظام وكورقة ضاغطة بيده في وجه إخوان سوريا ومعارضاتها المسلحة، والمؤكد أن “شهر العسل” الطويل الذي تمتعت به حماس في سوريا، لن يعود أبداً طالما ظل النظام قائماً في سوريا … وإذا كان النظام السوري مستعداً للقبول بسياسة النأي بالنفس من السلطة والرئيس عباس، فهو لن يقبلها من حماس، بعد كل ما حصل، وهو يريد لأفعال حماس أن تسبق أقوالها هذه المرة، بعد أن تعمق الشرخ واتسعت فجوة انعدام الثقة وانهدامها، وهذه المطالب والاشتراطات، تفوق طاقة حماس على القبول والتعاون.
خلاصة القول، إن المياه بين حماس والمحور المذكور لن تعود إلى مجاريها السابقة، فحاجة الأطراف لهذه العلاقة تبدلت بتبدل أولوياتها، وقدرة الأطراف على الوفاء باستحقاقات العلاقة كما كانت في شكلها القديم، قد تغيرت، لكن القطع والقطيعة لن يكونا واردين في قاموس العلاقة بين أطراف هذا المحور وأحد مكوناته السابقة.