«الثورة» العشوائية!
دخلت «الثورة» السورية أخطر مراحلها، وتحولت من ثورة تنشد الحرية إلى ثورة «عشوائية» متناحرة فيما بينها، وبدا أن النظام يستعيد زمام المبادرة على نحو متسارع، بل إنه دخل عملية إعادة «تأهيل» شاملة إن جاز التعبير، بعد أن كان منبوذا عربيا ودوليا إلى حد كبير، وبدأت قوى وأنظمة تتحرك باحثة عن مسرب ما لمحاروته ومحاولة الحصول منه على شهادة «حسن سلوك» بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من أن يلفظ نفسه الأخير!
لو قيل قبل أشهر أن بشار الأسد سيتحول إلى «رقم صعب» لكانت محض نكتة، لكنه اليوم كذلك، وثمة من يسعى لنيل رضاه، بعد أن كان مصابا بالجذام والنبذ، هذه ليست محاولات لتبييض صفحة نظام مجرم قتل شعبه وخطف سعادتهم، وأحال بلده إلى دمار و جحيم، بقدر ما هي قراءة بعقل بارد لأكثر المناطق سخونة في بلادنا العربية..
ربما نفهم زيارة عباس زكي الرجل البارز في حركة فتح لبشار الأسد في ظل هذه المعطيات الجديدة، كما يمكن ان نفهم «سر» حرص بعض دول الجوار على «التودد» له، ومحاولة تهدئة «غضبه»!
بالنسبة لزكي، فالرجل باختصار شديد وكما قال لي، كان في مهمة وطنية بحتة خاصة بحماية من بقي من اللاجئين الفلسطينيين، ورفع الحصار عنهم، وتزويدهم بما يُبقي على حياتهم من غذاء ودواء، وإبعادهم عن النيران الصديقة والمعادية في نفس الوقت، فهم ليسوا طرفا فيما يجري في سوريا، وليسوا خصوما لا للنظام ولا لـ «الثوار» ويبدو ان الرجل قد وفق في مسعاه إلى حد كبير، حيث وجدت مهمته تجاوبا فوريا ممن يحكم دمشق الآن، ولكن الحكم الحقيقي هنا متعلق بالنتائج المتحققة تاليا، وهنا درس بليغ لسدنة قضية فلسطين من كل الفصائل والألوان، وهو أن على اللاجىء الفلسطيني ألا ينخرط في أي صراع عربي-عربي تحت أي ظرف كان، لأن له قضيته الخاصة التي يجب ان ينشغل بها عما سواها، وعليه أن لا يستعدي أي طرف عربي يناصب العداء طرفا عربيا آخر، ويبدو أن عباس زكي من أشد المخلصين لهذه الرؤية، وإن كان من دور مؤثر للفلسطيني في أي نزاع عربي-عربي فيجب أن يكون دورا إصلاحيا بين المتخاصمين.
أما بالنسبة لمن بدأ يطلب رضى الأسد اتقاء لشره بعد أن دبت في أوصاله الحياة من جديد، متغطيا بالرضا الأمريكي عن سلوكه «الكيماوي» الجديد، والدعم الروسي الصيني الإيراني غير المحدود، فثمة عنوان مهم لطلب هذا الرضا وهو من حمى الأسد منذ البداية، وأمده بأسباب الحياة، مع ما يستتبع ذلك من «حسن سير وسلوك» على الأرض، هذه ليست ألغازا، بل حقائق مؤلمة، فالأسد باق وجزء من اللعبة .. الآن وفي المستقبل المرئي، وليس بوسع جيرانه –مثلا- تجاهل هذه الحقيقية المؤلمة!
بقيت مسألة في غاية الخطورة، أو لنقل هو السؤال الذي نطرحه عادة: وبعد؟ ما مصير «الثورة»؟ حسبما علمنا يخطط الأسد الآن لخوض معركة القلمون أولا ودرعا ثانيا، مستعينا بعنصر قوة جديد على الأرض وهو تشظي «الثوار» وخلافاتهم الدموية وصراعهم على «قيادة» معركة يخوضها خصمهم متحدا، ويخوضونها مشتتتين مخترقين، موزعي الولاء، وفي خضم هذه «الثورة العشوائية» يدفع الشعب السوري ثمنا لا قبل لبشر بتحمله!