في الأردن فجأةً وعلى حينِ غفلة غدت “المخابرات”، “الدائرة” و”ضابط” كلمات خالية من الوطنية، وكاملة الخيانة في أذهانِ أُناسٍ سوَّلت لهم أحقادُهم أن يبثّوا سموم ظنونهم في وجه كل من يوردُ في حديثِه سيرةَ المخابرات.
في الدراما والسينما العربية، المصرية تحديداً، وكذلك الأمريكية شاهدنا المخابرات بصورةٍ بطولية، والعاملون فيها شجعان لا يهابون العدو ما دام الوطن الذي تربّوا على عشقه هو همّهم. شاهدنا هذه القصص وكثرٌ صدّقوها وشعروا بها وأحبّوها، ولم يشككوا بها رغم أنها قصص، منها المبني على واقع ومنها الخيال، ومع هذا لم يشككوا بها.
عجيبٌ هو الجهل، والأعجب حاله في وطننا. أرى الجهل في وطننا شيطاناً يهيّء للبعض ما يريد، فيُعمي الأبصارَ عن المرئي، ويُريك ما هو غير موجود، حتى شغَلَت مجموعة من الجهَلَة أتباع أحقادهم المجتمعَ الأردني بفكرةِ شيطنةِ المخابرات، في محاولة لخلع هذه المؤسسة عن منظومة الدولة الأردنية، بتصويرها وكأنها تعمل بما يخالف مصلحة المواطن، وبالتالي ضرب مصداقيتها وإضعافها، وهي التي تشكّل الدرع الأول لحماية الوطن، وهي المؤسسة التي وُجدت لحماية الشعب والدستور وضمان تطبيق أحكام القانون وسير المرافق والمؤسسات العامة للدولة وضمان ديمومة عملها، وللقيام بجميع الأعمال والمهام والعمليات الاستخبارية والقتالية في سبيل أمن وسلامة واستقرار المملكة في جميع المجالات وتحقيق المصالح العليا للدولة الأردنية داخل وخارج المملكة، وإحباط وتفكيك أي تهديد حالٍ أو متوقع لأمن وسلامة واستقرار الدولة الأردنية داخل أو خارج أراضي المملكة، وفقا للمادة 8 من قانون دائرة المخابرات العامة لسنة 1964.
أتعجّبُ أكثر حين أبحث عن نقطة دم، عن مظلوم، عن فضيحة، عن حقٍ وراءهُ مُطالِب، فأجدُ معتقلين سابقين يشهدون أنّهم لم يرّونَ في الدائرةِ من هذا ولا ذاك، فأتيقّن أنّ مدَّعي “وحشية” المخابرات هم إمّا المذعورين من الشائعات، أو مسببين الذعر المُطلِقين لهذه الشائعات والذين يريدون دولةً بلا هيبة أو رقابة، يريدون نوعاً من الحرية غير موجود حتى في أكثر الدول ديمقراطيةً في العالم، تلك الدول التي تعجبنا أفلامها عن مخابراتها ودقّة حرصها وشدّة رقابتها على شعوبها وغيرهم كذلك، وعندما يصبح الحديث عن المخابرات الأردنية تنقلب المواقف، فتصبح المخابرات بضبّاطها وتاريخها وكل من يدافع عنها بعيدون عن الوطن والمواطن، ويُنسَى أنّ كلمة “المخابرات” تعني إحباط عمليات إرهابية كانت لتهزّ هذا البلد الطيّب وتزيدُه همّاً على همّ.
أنظرُ أكثر في هذه الحالة، حالة الجهل المؤذية التي أصابت وطني، فلا أجدُ في المخابرات سوى أبناء بلدي، لا غريبٌ نشكك فيه ولا أجنبي نخشى غدرهُ. انظُر أنتَ فستجدُ إخوة لك وأبناء، وصهرٌ ونسيبٌ وقريب، هل سيُصيبهم جهلُ الحاقدين بوصمةِ عار؟ المخابرات ليست مؤسسة من حجارةٍ وإسمنت، بل هي أبناءُ الأردن الذين اختاروا العمل في سبيله.
فمن أين يتسرّبُ إلينا التخوين؟ وكيف يُهاجَم مَن يصرِّح باحترامه وتقديره للمخابرات، كما فعلتُ أنا، ويُتّهم بوطنيّته وانشغاله بهمّ الوطن وبسطائه.