زمن البعارين المعدنية
صحيح انه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وأنه يحتاج الى غموس وحلويات وسوائل متنوعة المشاتل والأصول، لكنه يحتاج عند(حزّها ولزّها) الى خبز الشعير الذي يبقيه على قيد الحياة، ويسلك أموره وينظم حياته لحين استعادة لياقته الإنسانية… نعم خبز الشعير نحتاج اليه هذه الأيام لنعيد تنظيم حياتنا ، لعلنا نتقدم في المستقبل.
وخبز الشعير- كما يقول المثل الشعبي- مأكول مذموم ، فمن ناحية، هو الملجأ الأخير إذا شح القمح ..حيث يبعد وطأة الجوع عن العباد ، لكنهم يأكلونه وهم يتذمرون ، ويستمرون في التذمر حتى بعد انفراج المواسم.
صاحبنا هذا ، مثل خبز الشعير تماما ، أحيانا تبحث عنه وتشتاق الى بزته الأنيقة وإلى زامور الموتوسيكل الذي يمتطيه ، لأنه الوحيد الذي ينقذك من المأزق . وأحيانا تتمنى ان لا تراه اطلاقا ، خصوصا وأنت تنطلق بسيارتك متجاوزا السرعة وإشارات المرور او تدخل طريقا ممنوعا . هو ملاك رحمة أحيانا ، وهو شيطان في أحيان أخرى.
لكنه في الواقع لا ملاك ولا شيطان .. هو مجرد انسان يقوم بواجبه وعمله ، ولا تهمه كثيرا وجهة نظرك او نظرتك له. فهو لا ينتظر منك شكرا ولا مباركة ، كما انه لا يأبه باحتياجاتك اذا كنت تخالف القانون.
لا تعيقه شدة الحرارة ولا المطر الشديد ولا الصقيع والزمهرير والخماسين ، تراه في كل مكان ، على الطرقات يسهر على راحتك ويمنعك من مخالفة القانون . ويجهز لك (كروكا )في الحادث إن حصل لتنال حقك او تنال جزاءك .
قبل ان تسردوا وتتخيلوا تجاربكم المرة معه ..تخيلوا .. تخيلوا فقط المدينة بدونه، ولو لعدة ساعات. لا شك ان الطرقات ستتحول الى غابات من البعارين المعدنية الملونة تتزاحم بفوضى وانفعال … سوف يتوقف كل شيء حتى نبض المدينة ،ويعم الارتباك ويسود الارتجال .
فعلا انه خبز شعير …لكنه ينقذنا في الزمن الصعب!!!