محتجون والسطو على «الرابع»
ما يحدث على الدوار الرابع كل يوم خميس من قبل شباب يجب أن يقرع الجرس عالياً،
وعدم التعامل معه وكأنه حدثاً عابراً، فرفع السقف بالشعارات، كما يحب البعض
تسميتها، ليس غايتها الحقيقية حرية التعبير، خصوصاً وأنها لا تعبر عن حالة أردنية
حقيقية، بل هي محاولة مدروسة من قبل من يختبئون خلف عدد من الشباب الذين لا
يدركون نوايا من يحركهم أو من يدركون ويراهنون على انقلاب في المعادلة يحولهم
من أقزام إلى أبطال، هذه المحاولة تقصد إدخال مصطلحات جديدة على قاموس
السياسة الأردنية وإيجاد صورة (وهمية) بديلة عن الدولة الأردنية.
لقد صار أمراً واقعاً أن الأردنيين، على اختلاف طيفهم السياسي، لم يروا بمن يقود ما يسمى جزافاً بـ(الحراك
الشعبي) أو في مضمون هذا (الحراك) ما يمكن أن يجعلهم ينزلون إلى الشارع، فلا الشعارات التي يقترحها
واضحة ولا الأجندة التي يتبناها أجندة وطنية، ومن الطريف أو العجيب أن من يدعون أنهم سياسيون،
ويطرحون أنفسهم كقيادات شعبية للمرحلة القادمة، التي يظنون أن عنوانها سيكون (انتصار الحراكات
الشعبية)، قد وقعوا في رهانات خاطئة حين يحاولون الدفاع عن (الحراك) أو الانضمام له، مما يؤشر أيضاً على
ضحل مستواهم الفكري والنظري والعملي أيضاً. وحين فشل (الحراك) في إيجاد قاعدة شعبية حقيقية له،
وفقد قدرته على الحركة والمناورة، وانكشف للأردنيين ضحالة هذا الحراك أفراداً ومنظرين وأفكاراً، حاول
أشخاصه تبني شعارات لا أرض لها وسقفها كره الوطن والدولة، وأرادوا أن يظهروا كمن يتلفحون بحرية التعبير،
في مقاربة لإرضاء أصحاب الأجندات التمويلية المشبوهة، ورافضين في ذات الوقت الاعتراف أنهم لا يعبرون عن
أحد خارج إطار دائرتهم الضيقة. فالحراك الذي تقوم به فئة من المحتجين حراك يدلل على وجود نوايا سيئة
مبيتة لدى بعضهم، حيث تبدو المعركة التي يقترحونها على الدولة على شكل (معارك استنزاف)، بمعنى أن
تبقى الدولة مشدودة ومتوترة، وتستنزف إمكاناتها المادية والبشرية، كل ذلك في انتظار حدوث خطأ بشري
يؤشر إلى فقدان الدولة لهدوئها، عبر حادثة اصطدام (دموية) بين (حفنة المحتجين) وجموع الأمن، وحينها
ستكون تلك الشرارة المؤذنة لبدء الاشتعال. فما تريد أن يفعله (بعض المحتجين) بداية هو بث الشك لدى
المواطن في علاقته مع الدولة وفي علاقته مع العرش، ويأتي ذلك من خلال الكلام الدائم عن الفساد
والمفسدين، بحيث يصبح أي اجتهاد من قبل مؤسسات الدولة يحمل في ذاته شبهة الخطيئة وأي قرار تتخذه
مؤسسات الدولة يحمل في ذاته شبهة الفساد، ولايتوقف المحتجون عند هذا الحد بل تدخل هذه الفئة لـ(تلعب)
بخبث في منطقة محرمة أخرى وهي العلاقة بين المواطن والعرش، فالمراقب العرضي أو المدقق المتخصص
يدرك أن ثمة علاقة خاصة وفريدة بين المواطن والعرش في الأردن، هذه العلاقة لم تأتِ من قبيل المصادفة، أو
بمجرد مرور الوقت، بل هي كأي قصة حب ناجحة، لم يكتفِ فيها الطرفان بتوافق (كيمياء) الحب، بل عملا على
تقوية هذه العلاقة وتغذيتها بسلوك متواصل، حتى صارت الأغاني التي تتغنى بالملك والهاشميين والجيش
من الأغاني التي يشبك بها الأردنيون أياديهم معاً ويقيموا حلقة الدبكة.
ولن تتوقف فئة المحتجين عند هذا الحد بل ستحاول ضرب علاقة العرش مع الدولة، وقد حاولوا سابقاً، ورغم
عدم نجاح تلك المحاولة إلا أنها تظهر إلى أي مدى ستصل محاولات المحتجين. ما تقوم به هذه الفئة من
المحتجين أو ما يسمى بـ(الحراك)، المشلول على أرض الواقع، خلال الفترة الماضية محاولات جادة لتفكيك الروابط
بين الثالوث الأردني المقدس (المواطن والعرش والدولة)، حتى ليبدو أن ثمة ما يحاك في الخفاء، وعلى الدولة
والعرش اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة والضرورية، وهو ما يتطلب من العرش والدولة اجتراح حلول خاصة لهذه
المرحلة الخاصة، فالسياسة فن وحكمة وموقف ورأي معجونين بدهاء.
الآن هي ساعة الحقيقة التي يجب فيها أن نحدد اصطفافاتنا الواضحة والمعلنة، أنا مع الأردن الدولة والنظام
الهاشمي، وأثق بحكمة مليكي عبداالله الثاني.
رومان حداد