سوريا: من يَعدُّ الأيام الأخيرة لمن؟
يعجز قادة المعارضة السورية في الخارج والناطقون باسمها، من مدنيين وعسكريين، عن إخفاء مشاعر الخيبة والإحباط التي تحيط بهم وتسيطر على أجوائهم، جراء التطورات الأخيرة في الأزمة السورية، ميدانياً وسياسياً، وتحديداً منذ “صفقة الكيماوي” وحتى يومنا هذا.
ميدانياً، النظام يحقق تقدما عسكرياً ملحوظاً على جبهات دمشق وحلب وأريافهما … تجعل التفكير بفتح “معركة دمشق” ضرباً من العبث والادعاء، أما عملية “الزلزلة” في ريف إدلب التي تتوعد المعارضة المسلحة بشنها، فليست سوى محاولة لإثبات الحضور واسترداد الروح المعنوية، وهي لن تختلف عن غيرها من العمليات التي حملت أسماء كبيرة وانتهت إلى نتائج مخيبة لآمال أصحابها.
وميدانياً أيضاً، تواجه المعارضة المنضوية تحت راية “الائتلاف” و”المجلس العسكري” و”الجيش الحر”، أشد الهزائم والضربات على يد قوات “داعش” و”النصرة”، إذْ بات الريف الشمالي والشمالي الشرقي، خاضعاً لسيطرة هذه القوى المتشددة، التي يبدو أنها اكتفت بما سيطرت عليه من مناطق، وبات همها الأول والأخير، تنظيفها من المعارضة قبل استئناف التعرض للنظام في مناطق سيطرته.
وميدانياً أيضاَ وأيضاً، تواجه المعارضة المسلحة حربَ تصفيات واغتيالات داخلية عنيفة، أودت وتودي بحيوات العديد من قادتها وكوادرها، ودائماً على أيدي بعضهم البعض، في قوات الجيش الحر، أو ما تبقى منه، تقاتل في “جزر معزولة” لا يربطها ببعضها رابط جغرافي أو لوجستي، وتنتظر المزيد من الانشقاقات عن صفوفها، إما باتجاه النصرة و”داعش” أو بالعودة إلى أحضان النظام من جديد.
أما سياسياً، فحدث ولا حرج … القاعدة بتفريعاتها وتفريخاتها المختلفة، باتت اليوم في صدارة استهداف المجتمع الدولي، وليس النظام ورأسه اللذان يبدو بقاؤهما على حالهما، ضرورة غربية لإنفاذ برنامج تدمير السلاح الكيماوي السوري، وربما لمواجهة القاعدة كعدو أشد خطورة في المستقبل القريب، وما البحث المُمهد لـ”جنيف 2” سوى محاولة من الروسي والأمريكان، لتجسير الفجوات بين النظام ومعارضيه من غير الجهاديين، وقد تتبلور قريباً وفقاً لمصادر مختلفة، صيغ تضع النظام وهؤلاء في خندق، والقاعدة ومشتقاتها في خندق آخر، ما يستوجب التنسيق والتعاون، لا الاحتراب والتقاتل.
وتزداد الصورة كآبة في ظل ما يتوارد من معلومات عن حالة الخيبة والإحباط التي تخيم على العواصم الراعية والحليفة لمعارضات الخارج السياسية والمسلحة … … من تركيا التي تنتقل من “صفر مشاكل” إلى سياسة “الغيتو والجدران” حتى مع أقرب جيرانها بدءًا من الحدود السورية التركية، وانتهاء بقطر التي تورد الأنباء معلومات عن محاولاتها وصل ما انقطع من خيوط الود وخطوط الاتصال مع دمشق.
أما عواصم الغرب، فقد بدأت موسم العودة إلى دمشق، عبر قنوات الاتصال الأمني، ومن ممر “الكيماوي”، وليس مستعبداً، ولن يكون مفاجئاً أن نرى الدبلوماسيين وقد تقاطروا إلى العاصمة السورية لنفض الغبار عن مكاتبهم في مقار سفاراتهم في حي “أبو رمانة” الراقي في دمشق.
هي إذن المآلات المنطقية والمتوقعة لثورة تم اختطافها، ولم تنجح قياداتها حديثة العهد بالعمل السياسي، والموزعة ولاءاتها بقدر توزع الدول الداعمة والمانحة، في انتشالها من مصير بدا محتوماً منذ أن قرر هؤلاء اعتماد سياسة الانتظار على أمل وصول الدبابات والطائرات الأطلسية، وبعد أن استمرؤوا سياسة “النعامة” في مواجهة النمو المتصاعد للقوى الأصولية والجهادية في الحراك العسكري السوري، ظناً منهم أنه يمكن تنظيف المنزل بوضع القمامة تحت البساط…لقد ضيّعوا أوقاتاً ثمينة في عدّ الأيام المتبقية للأسد ونظامه، فإذا بهم ينتهون إلى عدّ أيامهم الأخيرة في رحلتهم القصيرة على أية حال.
لقد انتهى الصراع في سوريا وعليها، إلى حرب مفتوحة بين النظام وحلفائه من جهة والقاعدة وتفريخاتها من جهة ثانية، ومن المؤكد أن النظام في حرب كهذه، سيكون الأقدر على جذب التأييد وكسب الحلفاء توطئةً للانتصار النهائي، وإنْ بعد حين … أما قوى الثورة المدنية والديمقراطية فقد باتت أثراً بعد عين، ولم يبق منها سوى من حفظ نفسه في الداخل ومن “رحم ربي” في الخارج، وهؤلاء بالكاد سيحظون بحقيبة “الجندر” أو “الشؤون الاجتماعية” في أية حكومة انتقالية مقبلة في سوريا.