"استعصاء" الحل!
بالرغم من قيام الحكومة بتحرير أسعار المشتقات النفطية، ورفع تعرفة الكهرباء (على قطاعات الصناعة والتجارة الكبرى)، والعديد من الإجراءات الشبيهة، إلاّ أنّ وزارة المالية بشرتنا أمس بارتفاع حجم المديونية إلى 17 مليارا و632 مليون دينار مع نهاية تموز (يوليو) من العام الحالي، بينما كانت في نهاية العام 2012 قرابة 16 مليارا و580 مليون دينار؛ أي بزيادة تفوق مليار دينار.
في الأثناء، تواجه الحكومة صعوبات جمّة وكبيرة مع صندوق النقد الدولي الذي لا يخفي عدم رضاه وقبوله بما اتخذته الحكومة من إجراءات، ولا عن الطريقة التي تعاملت بها مع قرار رفع أسعار الكهرباء، ولا مع حجم التخفيض الذي تمّ في عجز الموازنة. وبينما تحاول الحكومة الالتفاف على هذه المعضلات عبر رفع الضرائب والرسوم على السلع الثانوية، إلا أن العائد المترتب على ذلك هو أقل بكثير مما يفي بالاستحقاقات المطلوبة للحصول على الدفعات الجديدة من قرض صندوق النقد الدولي.
المشكلة التي تواجه رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، تتمثل في أنّ ما يتم اتخاذه من إجراءات لا يجدي نفعاً، إذا لم تقم الحكومة بإجراءات جراحية واسعة على صعيد الدعم المقدّم للسلع والخدمات في الموازنة، لاسيما الكهرباء والقمح وغيرهما، الأمر الذي يكاد يكون بمثابة حقل مليء بالألغام والمتفجّرات، في ظل أزمة اقتصادية وضغوط خانقة على نسبة كبيرة من السكّان، وربما تكون تداعياته الأمنية والاجتماعية أخطر من الأزمة المالية وتداعياتها.
في نهاية اليوم، الحكومة تواجه حالة من استعصاء الحلول؛ فالمديونية ترتفع، وصندوق النقد غير راضٍ، والحكومة تواجه استياءً شعبياً واسعاً، فيما بات الوزراء يشعرون بالانزعاج من انتشار وصف “حكومة الجباية” للحكومة الحالية، في أوساط الإعلام المجتمعي والإلكتروني والشارع.
استمرار الوضع الراهن بات أقرب إلى “الحلقة المفرغة”، من دون نتائج نوعية حقيقية. فالحكومة لا تمتلك التقدّم خطوات أخرى قوية في مجال إلغاء الدعم، لأنّ ذلك محفوف بالمخاطر الكبيرة؛ وهي في الوقت نفسه تعاني مع صندوق النقد الدولي، ولا تملك حلولاً مالية أخرى، في ظل التهام النفقات الجارية لأغلب الموازنة العامة، وعدم فعالية ما أعلنته (الحكومة) من سياسات للحدّ من الإنفاق العام. وطالما أنّها لا تستطيع الاقتراب من بعض البنود المحصّنة في الموازنة، ولا من رواتب الموظفين، فإنّنا نسير نحو الهاوية الاقتصادية، بالرغم من محاولة الحكومة، عبر بعض الإجراءات، أن تبطئ من ذلك!
في الخلاصة، الأزمة المالية الراهنة ليست من فراغ؛ فهي ناجمة عن ارتفاع كبير في حجم النفقات، وكأنّنا دولة نفطية، ومن عدم قدرة الدولة على فرض ضغوط اقتصادية أكبر على المواطنين، فإمّا أن نستمر في مسلسل صندوق النقد الدولي ونتحمّل مخاطرة حقيقية وكبيرة، ربما تكون كلفتها غير محتملة، وإمّا أن نبقى ننتظر المساعدات “الشقيقة” ونعتمد عليها، وهي تخضع لظروف وعوامل متعددة، لكنّها تعني بلغة واضحة أنّنا نقبل أن نرهن اقتصادنا واستقرارنا وأمننا وقرارنا السياسي للآخرين ولمواقفهم!
كسر هذه الحلقة المفرغة يبدأ بالانتقال في التفكير الجدّي والحقيقي والفعّال من معالجة الأزمة المالية المستعصية إلى تحريك عجلة الاقتصاد، بأسرع وقت ممكن. وكذلك وضع خريطة طريق محدّدة حقيقية واقعية لجذب الاستثمارات، وتفعيل الاستفادة الكاملة من المنحة الخليجية، وخلق القطاع الخاص في المحافظات بالوسائل الممكنة، وإعادة هيكلة سوق العمل وتمكين العمالة المحلية من الاندماج فيها، إضافة إلى خطوات سياسية موازية لترسيخ مبادئ الحاكمية والشفافية في إدارة المال العام، وإعداد موازنة تقشفية للعام المقبل!