المهمة الجليلة= الجباية
يستخدم الدكتور عبد الله النسور دائماً ذريعة أنه يتولّى القيام بمهمة تاريخية وطنية جليلة، تتمثّل بحماية الاقتصاد الوطني من الانهيار، وتضييق هوّة العجز في الموازنة العامة، لوقف نزف المديونية، لتبرير ما يقوم به من سياسات وقرارات اقتصادية عجزت الحكومات السابقة عن القيام بجزء بسيط منها، خوفاً من نتائجها الاجتماعية أو من ردود الفعل الشعبية! وبالرغم من حجم النقد الشعبي القاسي، وما اجترحته المواقع الالكترونية والكتابات الساخرة، وفي مقدمتها ما تجود به قريحة الزميل أحمد الزعبي، من كوميديا سوداء ردّاً على القرارات الاقتصادية المتتالية، من رفع الضرائب ورفع الدعم وزيادة الرسوم، إلاّ أنّ الرئيس يصرّ بقوة على القول بصوتٍ مرتفع بأنّ الأجيال القادمة ستتذكره بالخير وتشكره كثيراً على ما اتخذه من قرارات كانت بمثابة “الدواء المرّ”، الذي لا بديل عنه لمنع تدهور حالة المريض (الاقتصاد الوطني) أكثر! المشكلة في “قناعات الرئيس” أنّها تقفز عن قضية أساسية وجوهرية تتمثّل في قسوة هذه السياسات على الطبقة الوسطى، ونتائجها المدمّرة لقدرتها على حماية توازنها، فيما تعصف بقدرة الطبقة العريضة من المواطنين على احتمال الضغوط الاقتصادية والمالية، أي أنّها تريد إنقاذ الاقتصاد الوطني فقط على حساب المواطنين، عبر الحلول السهلة التقليدية المعروفة، من دون النظر للجوانب الاجتماعية والاقتصادية والأمنية لذلك. أمّا المعضلة في رهانات الرئيس، فأنّها لا تمنح الناس كوّة من الأمل بأنّ مثل هذه الإجراءات القاسية جداً ستؤدي في مرحلة لاحقة إلى تحسين ظروفهم الاقتصادية والحياتية، بل ما تعدهم به هذه السياسات والقرارات هو المزيد والمزيد من الضغوط، التي لن يتمكّنوا من احتمالها حتى نهاية اليوم، إذ بالرغم مما قامت به الحكومة فإنّ مفاوضات الوفد الأردني مع صندوق النقد الدولي في الأسبوع الماضي كانت عسيرة، ولم يتمكن وزير المالية ومحافظ البنك المركزي من الحدّ من حالة عدم الرضا لدى الطرف الآخر، عما قامت به الحكومة من إجراءات لتخفيف آثار قرار رفع أسعار الكهرباء. وما يزال الأردن بانتظار جولات جديدة من المفاوضات العسيرة والقرارات الأكثر عسرة وقسوة اجتماعياً واقتصادياً! الحكومة تحاول التحايل على صندوق النقد الدولي، وتخفيف العجز عبر جملة من القرارات التي تصيب سلعاً وخدمات ثانوية، برأي الفريق الاقتصادي، إذ اتخذت خلال الفترة القريبة الماضية قرارات بشأن الضرائب على الملابس المستوردة، وهنالك حديث عن زيادة رسوم امتحانات قيادة السيارات والتراخيص بنسبة تصل إلى 100 %، والحبل على الجرار. بالرغم من هذه القرارات، فإنّ الحكومة لن تستطيع الهرب من مواجهة الاستحقاقات الاقتصادية الحقيقية القاسية، من الاستمرار في مسلسل رفع أسعار الكهرباء مع العام القادم، والحديث عن تغيير سياسات دعم الخبز، وربما أسعار المياه لاحقاً، بسبب ارتفاع كلفة الكهرباء المشغّلة للمياه، ولما تتقاضاه الشركة التركية من مبالغ مترتبة على نقل مياه الديسي. السياق الراهن لهذا المسار المتسارع والمندفع الذي تمضي فيه حكومة النسور يحوّل الحكومة بالفعل إلى مهمة الجباية، والأمر الوحيد الذي تفكّر فيه هو كيف نحسّن الإيرادات ونحدّ من النفقات؟ لكنّها لا تجرؤ إلا على الطرف الأضعف في المعادلة السياسية في بلادنا، وهو – للأسف الشديد- المواطن، وتحديداً أبناء الطبقة الوسطى ومعهم الشريحة العريضة من المواطنين، التي تعاني من غوائل الفقر والبطالة والحرمان الاجتماعي، لتزيد معاناتهم مع الحكومة الراهنة أضعافاً مضاعفة! طبعاً البديل ليس الانتظار إلى حين انهيارالمؤشرات النقدية وعجز الحكومة عن دفع رواتب الموظفين، بل هو التفكير بمسارات موازية سياسياً واقتصادياً للمسار الحالي، وهو ما لم تقدّم فيه الحكومة أي إنجاز ولو كان بسيطا جداً! m.aburumman@alghad.jo