"القبض" على الإسلام!
تأخذ حيثيات الحكم الذي قضت به محكمة مصرية قبل يومين، بحظر جماعة الإخوان المسلمين، طابعاً سياسياً واضحاً ومباشراً. ويبدو جلياً انحيازها إلى “العسكر”، عبر استخدام لغة مطّاطة سياسية، في غاية الركاكة، لا تعبأ بقيمة القرار بوصفه وثيقة تاريخية، ستُقرأ وتحاكم عبر المؤرّخين والباحثين! من الواضح أنّ الهدف الرئيس من القرار هو تدعيم الحملة السياسية والإعلامية والأمنية والعسكرية لسلطة الانقلاب في مواجهة “الجماعة”، ومنح الأمن والقضاة غطاءً تشريعياً وقانونياً لتمرير أحكام السجن والاعتقال التي تصدر بحق قادة الإخوان المسلمين وأعضاء التنظيم. حظر “الجماعة” تبعته تسريبات عبر أعضاء “لجنة الخمسين” المكلّفة بإعداد دستور جديد، تفيد بالتوافق على نص بحظر قيام الأحزاب على أساس ديني أو طائفي. وهو نص يضاف إلى ما سبق في التحضير لعملية إقصاء الإخوان المسلمين من “اللعبة السياسية” بصورة كاملة ونهائية، و”تحصين” النظام الجديد من حضور القوى الإسلامية! بعيداً عن هذا التوظيف السياسي المطلوب لهذه النصوص والأحكام القضائية، إلاّ أنّها تطرح تساؤلاً جوهرياً، وتحديداً عندما نتحدث عن “حظر الأحزاب الدينية” وتفسير هذا النص؟ فهل المقصود، مثلاً، عدم الموافقة على حزب يضع اسماً إسلامياً، أو يستند في وثائقه الأساسية إلى مرجعية دينية، أو ربما يحتوي برنامجه على آيات من القرآن ونصوص من السنّة، أو حتى إشارة إلى مرجعية إسلامية؟! الأكثر غرابة فيما قرأته من تعليقات، كان للصديق العزيز د. عمرو الشوبكي، وهو مقرّر لجنة نظام الحكم (في لجنة الخمسين لإعداد الدستور). إذ يقول إنّه سيمنع قيام أي حزب طائفي أو ديني، حتى لو لم يعلن الحزب ذلك؛ فخطاب الأحزاب وممارستها هما اللذان سيحددان ذلك! التفسير الذي يقدّمه صديقنا الشوبكي، لا يجيب عما إذا كان سيحظر تأسيس أحزاب سياسية تشير إلى “القيم الإسلامية” في أدبياتها، أو تأخذ جانباً محافظاً دينياً في برنامجها الاجتماعي، مع التزامها باللعبة الديمقراطية وبالدستور، وبعدم المساس بالحريات الفردية والعامة مثلاً! ثمة تداعيات كبيرة ومهمة لمثل هذه المادة وما تستبطنه من “نوايا” تجاه المستقبل؛ فإذا كان الهدف منها محاكاة “النموذج التركي”، فهو نموذج يتراجع الآن بصورة ملحوظة، ولم ينجح في نهاية اليوم في تحجيم التيار الإسلامي هناك، والذي أصبح أكثر قوة وحضوراً، كما أكثر ذكاءً في التعامل مع المعطيات السياسية! وإذا كان المقصود منه، فقط، التخلص مرحلياً من الإسلاميين في اللعبة السياسية، فإنّ مثل هذا الخيار “الإقصائي” جُرِّب سابقاً، ولم ينجح، في أغلب الدول العربية؛ بل أعطى حضوراً ونفوذاً وشرعية أكبر للتيار الإسلامي، تحت دعوى أنّ المطلوب هو القبض على الإسلام وقطع رأسه، وليس تقويض الحركات الإسلامية! ثم إن هذا التوجه يقوم على منطق الحجب والإقصاء، وعدم القبول بالتعددية السياسية والحزبية الحقيقية، ويقفز عن السؤال المهم بشأن علاقة الدين بالمواطنة والمجتمع والنظام السياسي، بخاصة أنّنا نجد في الدول الديمقراطية، والغربية تحديداً، أحزاباً ديمقراطية لها توجهاتها الدينية المسيحية، وكذلك الحال في الولايات المتحدة، حيث ثمة تيار محافظ دينياً، ودور متزايد للكنائس و”المؤمنين” في الحياة السياسية هناك. فرض مثل هذه المواد في الدستور لن يحل المشكلة، بل سيجذّرها ويعقّدها. فالمطلوب هو الوصول إلى نصوص أكثر عمقاً وتوافقية، من أجل تحديد مساحة الدين في الشأن العام والسياسي والمدني، والحدود الدستورية لحريات الأفراد وحقوقهم العامة والخاصة. وبدون شراكة حقيقية مع التيار الإسلامي في ترسيم هذه المعادلة، فإننا سنعود إلى الوراء، ولن نتقدم إلى أمام! m.aburumman@alghad.jo